نزار قباني في قبضة جاك بريفير
عبد الله الدغوغي
لو ألقينا نظرة شمولية على اتجاهَيْ كل من الشاعرين نزار قباني وجاك بريفير لوحدنا أن هناك بونا كبيرا بينهما ففي الوقت الذي يتجه فيه نزاز قباني اتجاها رومنسيا صرفا حتى نعت بشاعر المرأة بامتياز الا فيما نذر من قصائده ذات الطابع السياسي فإننا نجد الشاعر الفرنسي جاك بريفير (jaques prever) فإن كل أشعاره تتجه نحو الاحتجاج على قيم الطبقة الغنية ووقوفه في صف الفقراء من فلاحين وعمال فوصف معاناتهم وآلامهم وضعف ما يتقاضون من أجور ضعيفة لا تسمن ولا تغني من جوع وليس ذلك بغريب على جاك بريفير لانه عاش هذه المعاناة يوم كان يتسكع في شوارع باريس يبيع الصحف من أجل لقمة العيش والمتصفح لديوانه (paroles de jaques prever) كلمات جاك بريفير سيجد ان كل قصائده تصب في هذا الغرض ومنها قصيدته(l effort humain) وهي قصيدة رائعة تصف معاناة الطبقة العاملة عموما (هي طويلة ساترجمها فيما بعد) ثم قصيدته برابارا هي أيضا لا تخلو من وصف هذه المعاناة.
عود على بدء: إذن فكيف لشاعر رومنسي كنزار قباني أن ينحا هذا المنحنى وهو من شعراء الرومنسية التي كانت بعض قصائده نقلا ذكيا من شعراء كان يظن أن القاريء في غفلة عن الاطلاع على الآداب العالمية. فقصيدته :مع جريدة، هي سرقة أدبية بكل ما في الكلمة من معنى وليست كما يظن البعض إنها توارد خواطر.
يقول فيها :
أخرج من معطفه الجريدة
وعلبة الثقاب
ودون أن يلاحظ اضطرابي ودونما اهتمام
تناول السكر من أمامي ذَوَّب في الفنجان قطعتين ذَوَّبني ذَوَّب قطعتين وبعد لحظتين
ودون أن يراني
ويعرف الخوف الذي اعتراني تناول المعطف من أمامي
وغاب في الزحام
مُخلِّفاً وراءه الجريدة وحيدة.
وهذه قصيدة لجاك بريفير التي نظمها سنة 1977 موجودة بديوانه paroles de jaques prever :
بعنوان ” مع جريدة “، يقول فيها
أخرج من معطفه _ : وضع القهوة في الفنجان
ووضع الحليب في فنجان القهوة
ووضع السكر في القهوة بالحليب
وبالملعقة الصغيرة حَرَّكها وشرب القهوة بالحليب ووضع الفنجان
دون أن يُحدِّثني
وأشعل سيجارة
وجعل دوائر من دخان
ووضع الدخان في المدخنة ودون أن يُحدِّثني
وضع قبعته على رأسه
ووضع معطفه الشتوي
لأن السماء كانت ماطرة
ثم راح دونما كلمة
ودون أن يرنو إِلَيَّ
وأنا أخذتُ رأسي بين يَدَيَّ وبكيتُ )) .
والمتصفح لقصيدة نزار قباني :(الديك) التي تتكون من اثني عشر مقطعا يصف فيها الحكام الديكتاتوريين في أسلوب يكاد يكون هزليا هي نقل ذكي لقصيدة :le matin cri de coq _الصباح صيحة الديك) التي يقول فيها جاك بريفير
الصباح
صرخة الديك
أغنية سوان الليل
رسالة رتيبة ومملة
الذي يصرخ علي
اليوم يبدأ من جديد
اليوم مرة أخرى اليوم
أنا لا أسمع الرومانسية الخاصة بك
وأنا أدير أذني صماء
وأنا لا أستمع إلى صراخك
ومع ذلك أستيقظ سعيدا
تقريبا كل يوم في حياتي
.وأذبح في الشمس
اجمل احلام ليالي.
من ديوانه كلمات جاك بريفير.
وهي لا تختلف معنى ومضمونا عن قصيدة نزار قباني رغم طولها.
والسؤال المطروح بإلحاح شديد هل تأثر نزار قباني بأسلوب جاك بريفير في آخر أيامه حيث حول اتجاهه الرومنسي إلى وصف هموم الشعب مسترشدا بجاك بريفير الذي جعل من شعره أداة لوصف هموم طبقات العمال والفلاحين والصناع من أبناء شعبه.؟
عبد الله الدغوغي /آسفي حاضرة المحيط ذ/المغرب