محمد سعد عبد اللطیف *
منذ سنوات، خرجت جماهیر حاشدة فی صعید مصر ، من أجل تشییع جثمان الشیخ العریان ، الذي عاش فی حفرة حفرها لیعیش داخلها.. 60 عاما ،یقتات على العُشؒب وأسماك البرؑك والمُستنقعات، بدون ملابس ولا غطاء طوال حیاتة. وبعد”إعلان وفاته حضرت جماهیر غفیرة لتشییع الجثمان تبرکا بکراماته الرجل. وهو لا یعرفهم ولاهم یعرفونه، صنعوا منه أساطیر وحکایات ، ويوم جنازته کانت الطُبوؑل والمزامير تتقدم الركب… واليوم يتكرر أمامنا نفس المشهد.
الثلاثاء 25 من فبرایر 2020م، أعلنت مصر وفاة الرٸیس مبارك عن عمر یُناهز 92 عاما ، وتم الإعلان عن عفو رٸاسي ليتم تشییع الجثمان فی جنازة عسکریة ، وإعلان الحداد فی البلاد. وکانت محکمة مصریة حکمت سابقا علی مبارك بعدم حقه فی حالة الوفاه بتکریمه فی مراسم تشیعه فی جنازه عسکریة، وسحب منه ” نوط الواجب العسکري والنیاشیین والأوسمة”. وفی مُحاکمة عُرفت ( محکمة القرن ) حكمت لرٸیس حسنى مبارك ” بالبراءة” و كان واضحا من حيثيات الحكم أن تلك البراءة جاءت فى الاتهامات الواردة بتحقيقات النيابة فى قضية قتل المتظاهرين فی ینایر/فبرایر 2011 م. وليست لجرائم سياسية ارتكبها ونظامه لسنوات طويلة. وهنا الخطأ الذی ارتکبة کل الفاعلیین ، كانت محاکمتة جناٸیًا ولیس سیاسیًا ، رغم ماحدث من قتل، وهي لیست قضیة ثأر، ثأر لدم الشهداء، ولكن ثأر فساد تخلل فى الجهاز الإدارى للدولة لسنوات طويلة انتهت بأحداث وكوارث قام بها هو ووزرائه ونظامه، الفساد الذى انتشر من أكبر وزير في حكومتة إلى أصغر عامل في نظامه. وکان من الغریب بعد إعلان وفاة مبارك أن تثار حالة من الجدؑل فی الشارع المصري” له وما علیه” وعلی شبکات التواصل الإجتماعي ، وتبرکا بمقولة (اذکروا محاسن موُتاکم ) رغم أن البعض ینکر معنى المقوله فی موضعها هذا ۔ ورغم إیماني بأن ” لا حیلة في الرزق ولا شفاعه فی الموت ” ، ولکن هنا التاریخ لا یرحم.
لن ننسى جرائم الفساد فی عهده، في كافة القطاعات، وفي وزارة الزراعة وعند دخول البلاد في صفقات من مواد مسرطنه ، وإفساد منظومه زراعة محصول القطن “المصدر الإقتصادي” للدولة والفلاح المصري ، هل اصبحت ذاکرة المصریین تركن فی طي النسیان ، وقعت جراٸم في عهده لاتنسی، “1400” مصرى سقطوا شهداء لعبارة السلام 1998م ، لن يمكن أن ننسي شهداء حوادث قطار الصعيد التى تكررت دون أن يقدم للشعب أي اعتذار، لن ننسي رشاوى الوزراء ووكلائهم، هل تتذکرون (ما قال کبیرهم فی مجلس الشعب، السید زکریا عزمي رٸیس دیوان رٸاسه الجمهوریة ): “الفساد وصل فی المحلیات للرکؑب “. لن ننسى آلالاف الأفدنة التى حصل عليها رجال الأعمال من الأصدقاء والأقارب دون وجه حق، لن ننسى قراراته الاقتصادية الخاطئة بخصخصة شركات قطاع الأعمال العام وإهدار مال الدولة، وتصفیة وبیع أصول الشرکات والأراضي بأبخسؒ الثمن، لن ننسى تدميره للتعليم المصرى بعد تجاهله تطوير المدارس والمناهج، لن ننسى آلاف المرضى الذين يفارقون الحياة يوميا بسبب مرضی فیروس (س) بسبب تأخر قرار للعلاج على نفقة الدولة، لقد حصد هذا الوباء من کل منزل فی مصر أرواح كثيرة، لن ننسى فشله لسنوات فى وضع منظومة شاملة للتأمين الصحى، لن ننسى الحال السيئ الذى وصلت إليه الأمور فی أخطر القضایا المصیریة وهو ملف “المیاه”، وکذلك ما یحدث الآن فی سيناء، وترك المنطقة الرخویة علی حدود فلسطین المحتلة بطول ماٸة کیلو متر، وکذلك مناطق فی النوبة والصعيد بعد أن تركت أهلها يعيشون فى الجهل والفقر وغياب التنمية، لن ننسى مئات الشباب ممن غرقوا فى البحر بعد إحباطهم من حال الدولة وقرارهم بالهجرة غير الشرعية، لن ننسى الصفقات المسرطنة للأسمدة، لن ننسى تزوير انتخابات منذ رٸاسته عام 1981م حتى 2010، لن ننسى قوله:«خليهم يتسلوا»، لن ننسى تعديل الدستور «بالمقاس»، لن ننسى طوابير الخبز، لن ننسى ” جبروت الحزب الوطنى”، لن ننسى وزراء حكومته من أصدقاء نجله جمال. وجمعیة أصدقاء البیزنس وجمعیات النهب والسرقه ونهب المال العام (القطط السمان ) الأمریکیة، وشلة جمال فی التلاعب فی البورصة، وضیاع أموال وسندات المعاشات التی تقدر بالملیارات، لن ننسي حرمان جیلي ومن بعدی فی الحصول علی وظیفه ، وهروبنا خارج الوطن بسبب الفقر والجوع ، لقد عبر الشباب البحار ولقوا حتفهم لأنهم همشوا فی اوطانهم، وعانوا من المحسوبیة والوساطة وغیاب العداله والمساواة، کم شاب حُرم من التعیین فی وظاٸف فی وزارت سیادیة بسبب انتمائه لأسر فقیرة،
هل يعلم أن ملف العدالة والمساواه ، خلق جیلا یحمل فکرا آخر، جيلا یحمل البغضاء والکراهیه لأی نظام مهما کان، أیها السلطان الذی سوف تقف أمام الخالق الجبار ۔ بعد ساعات.. جواریكِ ومستشاریكِ ووزراٸكِ لن ینفعوك. “جمال وعلاء ” اللذان مكن لهم في الارض لن ينفعوه بشيء. سیادة الرٸیس ماذا تقول الآن وانت امام ملك المُلك ، ماذا عن أموال السیدة حرمك، عن رد أموال المنهوبه من مکتبة الإسکندریة. التي اعترفت لها عند التحقیقات، والتي تقدر بالملایین.
الرٸیس مبارك فى عقيدة المحكمة في “القصور الرئاسية، مجرم وسارق” وفى عقيدتنا أيضا مجرم وسارق، رغم البراءة من قتل المتظاهرين، الیوم سوف تدخل عالم القبور، أین الجبابرة، أین عبد الناصر والسادات وهتلر وموسیلینی وغیرهم..
فمهما طال العمر فله نهاية ومهما بلغت قوة المرء وجبروته فمآله التراب. ومن فاتته عدالة الأرض فستنصفه عدالة السماء. وسيعرض الكل على ربه متجردا من كل سلطان.
فهل الشعب المصري فقد الذاکرة ونسى معاناته مع النظام الفاسد!؟
ونحن اليوم نترحم علی أموات شهداء 25 من ینایر ، وشهداء كل ميادین مصر ، ونقدم وافر العزاء لمن ماتوا في السجون ظلما وعدوانا.
وافر العزاء منا لمن عاشوا 30 عاما فی دول الخوف والاستبداد!
وافر العزاء منا لعمال مصر الذین تم قتلهم في حلوان وكفر الدوار ۔وکبت جماح العمال من حق التظاهر والوقفات الإحتجاجیة!
وافر العزاء لألاف من ضحايا التعذيب وجحافل المعتقلات!
وافر العزاء لمن اصيب بالسرطان وأمراض الکبد نتيجة فساد نظامه!
ولاعزاء للفساد واللصوص والاستبداد وجمهوریات الخوف.
*کاتب مصري ۔وباحث فی الجغرافیا السیاسیة