
لكل شعبٍ عراقةٌ وأصالةٌ تدلُّ على تاريخِه وثقافته؛ ولكلِّ شعبٍ محتلٍ تاريخُ نضالٍ ومقاومة يتغنى بها الصغيرُ قبل الكبيرِ صبْحَ مساءَ.. والسؤال هنا: كيف صبرَ وثبتَ السابقون دون مساومةٍ؟!
تبقى صفحاتُ العزِّ القسّامية هي البرَاقة، موسومةً بدماءِ الشهداء بهذا اللّون الذي لا يُمحى مهما تبدلت الأيام والأزمنة.
قصد السبيل، المتمعنُ في هذا العملِ، سيرى حجمَ التآمرِ العربِي الغربي على مقاومةِ غزةَ؛ وحجمَ دهاليزِ السياسة العربية وعلى ماذا يقومُ أغلبُها؟ وعقدةُ المنشارِ في أغلبها وأهمّها، مطلبُ الرضى الغربي والصهيوني عن أي نظامٍ عربِي في المنطقة، وهو المُوافقة على (قطع خطوط الإمداد عن غزة)؛ فشغل هذه الدول الشاغلُ هو محاربةُ الإمداد، وكلُّ من يَمدّ غزةَ بالسلاح والمال، ونقل الخبراتِ العلميَة في مجالِ تطوير القُدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية.
مِن اغتيالٍ لشخصياتٍ مساندةٍ لغزة، إلى قصفِ المناطقِ التي يُعتقد أنها تمرُّ بها خطوطُ الإمدادِ الناقلة للسلاحِ والعتاد، والسجنِ والاعتقال لكثيرٍ من المساندين للمقاومةِ الفلسطينية في غزةَ، التي يعتبرها الكثيرُ من المسلمين والعربِ واجبا نصرتها في هذا الوقت، وفي كل حين لأنها مقاومةٌ واضحةٌ وجلِيةٌ ضد عدوٍّ تجذّرت أصولُ عداوتِه منذُ فجرِ الإسلام الأول.
وواجبُ المساندةِ والنصرةِ لكلِّ مسلمٍ وعربي حرٍ يؤمنُ بأصولِ تلك العداوةِ لهذا الكيانِ الذي أقام دولته على أنقاض الشعب الفلسطيني، أوجب على الشعوبِ الحرةِ دعم هذه المقاومةِ بالمال والسلاح ،وكل ما يملكُون، حتى تحريرِ فلسطين من البحرِ إلى النهر.
فغزة في هذا الطريق قدّمت خيرة رجالها ونستحضر أبرزهم الشهيد/ رائد العطار ومحمد أبو شمالة، عناوينُ الإمداد في قطاع غزة، وخسرت غزة كثيراً بفقدِ الرجلين اللذين لهما فضلٌ ،بعد الله عز وجل ،بإمداد المقاومة بالسلاح والعتاد ، فلولاهما لما وصلت المقاومة إلى هذا التقدمِ على صعيد السلاحِ والعتاد؛ وسيبقى اسمهما وفضلهما تُردِّدهُ الأجيال القادمة.
لم يقتصر الأمر يوما على العمل من داخل القطاع، فقد استطاع أبطال المقاومة تخطِّي الحدود الجغرافية لفلسطين، مُحلِّقين في فضاءات أخرى لدعم المقاومة؛ فالشهيد محمود المبحوح ، ومحمد الزواري، وغيرهما من الشخصيات التي ما سمعنا عنها يوماً إلا بعد استشهادهما، استطاعوا إمداد المقاومة بطريقة مختلفة؛ لأن الإعدادَ والإمدادَ من أساسيات نجاحه العملُ بصمتٍ؛ ولإيمان هؤلاء الأبطال بأنه بات من الضروري حشد الطاقات والامدادات الخارجية لزيادة زخم الفعل المقاوِم.
الجميعُ يعلم أن كلفةَ الإمداد ماليا وبشريا ،وفي قطع المسافات، ليس بسيطةً؛ لِبُعدِ غزةَ عن أماكن الإمداد والدول المساندة للمقاومة رغم وجود عتاد عسكري عربي في محيط فلسطين، إلا أنه لا يقاوم فيه إسرائيل.
رجال الإمداد، البحر والبر والجو يعرفهم ، فربما يموت أحدهم غرقاً ، وآخر يحفرُ في الصخر نفقاً ، من أجل بقاءِ جذوة المقاومة مشتعلة حتى وإن أوصلت المؤامرات العربية شعلة المقاومة إلى قرب الانطفاء إلاّ أنها تشتعل من جديد وبقوةٍ وبدعمٍ ربّاني كبير ، فالله يهيئُ لهم الأسباب من جديدٍ، فيُخرجُ لهم من باطن الأرض ما يسرُّهم ليكملوا هذا المشوار، فتتحوّل تلك المواسيرُ إلى صواريخَ تَدك حصونَ الأعداء، ويتحوّل من أجلهم البحرُ إلى غرفةٍ مُغلقةٍ تحفظ الأمانات التي هي في قاموس البشر، لا يمكن أن تنفجر؛ فالله حامي تلك الأجسام التي حملت على عاتقها همّ مقارعةِ المحتل، وتبقى على طريقِ ذات الشوْكة إلى أن يأتيَ أمرُ الله. وهم كذلك ، فمسيرة الإعداد والإمداد مستمرةٌ بكل الوسائل المتاحة إلى أن تصل لمبتغاها الأخير، وهو دحرُ هذا العدو من على هذه الأرض.