نـور24

هل من تعددية حزبية وسياسية في الساحة المغربية؟!

 
 
بقلم : عبد الإله الوزاني التهامي
تطرقنا فيما سلف من مقالات حول الأحزاب السياسية و ماهيتها و وظائفها و أنواعها ، لتفاصيل غاية في الأهمية ، هدفنا من ورائها إلى بث مواد تحسيسية و توعوية و تأطيرية أيضا، تهم بالدرجة الأولى شريحة الشباب و الطبقة المهتمة بالعمل السياسي .
الآن نتطرق بحول الله ، إلى خطورة نظام الحزب الوحيد على الدولة و المجتمع، مع تفاصيل ماهية النظم الحزبية و دورها و تأثيرها على المجتمعات .
تنقسم النظم الحزبية إلى أربعة أقسام متعارف عليها عالميا ، و هي : 1 نظام الحزب الوحيد ، 2 نظام الحزبين ، 3 أحزاب الإيديولوجيات ، و 4 أحزاب الأشخاص .
1ـ الحزب الوحيد :
إن وجود الحزب الوحيد في مجتمع ما، لا يسمح للشعب بالتعبير عن اختياراته بحرية ، بل يقتل فيه كل عوامل القوة و الإبداع، ويمكِّن طبقة معينة محدودة من احتكار كل موارد الدولة ، إنْ كان في الحُكم، و يجمع حوله شريحة مكوَّنة من المرتزقة و المتملقين و الطامعين في الحصول على فتات مائدته ، أي مائدة الحزب الحاكم المهيمن على دواليب الدولة .
إن إخضاع الحكم لسيطرة حزب وحيد ، يعني احتكار سياسي يسلب نظام الدولة صفته الديمقراطية الشورية. و المثير في هذا الباب هو ما تعيشه بعض البلدان المتخلفة، من ضبابية في مشهدها السياسي بما تعيشه أحزابها من تشابه مشوه في برامجها و شعاراتها ، إلى حد يصعب على المواطن العادي التفريق بين حزب و آخر ، إذ تبدو له الألوان المتباينة في شكل لوحة واحدة عناونها “الحزب الوحيد”. .
2ـ نظام الحزبين :
إن نظام الحزبين، نظام أكثر حدة من النظم الأخرى، لأنه يسمح للقوى الوطنية جميعها بالانضواء تحت لواء حزب معين منهما ؛ و مع مرور الوقت و احتداد المعركة تصبح الدولة مقُودة و مسَيَّرة بقطبين مهمين ، اجتمعت فيهما عصارة المجتمع السياسي و الاجتماعي ، من ساسة و رجال أعمال و مثقفين و طلبة  …
تجدر الإشارة إلى أن الدولة التي تأخذ بنظام الحزبين مثلا ، توجد فيها أحزاب أخرى صغيرة إلى جانب الحزبين الكبيرين ، إلا أن تأثيرها في الرأي العام يكون ضعيفا جدا مقارنة مع الآخرين المكونين لثنائية القطبية . أما شخصية الزعيم في هذا النظام، فلا وجود له ، لأن الزعماء يتغيرون، و يخضعون للتداول على الزعامة دون أن يؤثر ذلك في نسيج الحزب . و إذا ما حاز الحزب على الأغلبية الانتخابية، فإنه يستولي،أوتوماتيكيا ، على مقاليد السلطة دون سواه ، أو بإشراك فرقاء، لكن بقوة أقل من قوته بكثير؛ و إذا لم يحصل على الأغلبية ، يقوم بقيادة المعارضة بشكل فاعل و جدي و متواصل .
لا يمكن الحصول على “نظام الحزبين” بسهولة في دولة ما ، لأن ذلك يحتاج إلى استقرار حقيقي في البناء الاجتماعي للدولة؛ و يحتاج إلى خبرة طويلة في التجربة الديمقراطية ، وهذه العوامل لا تتوفر لدى الدول المحكومة بأنظمة شمولية مستبدة ، أو ترزح تحت حكم إقطاعي، أو تحت حكم عائلة معينة باسم الشرعية التاريخية .
3ـ أحزاب الإيديولوجيات :
أهم ما يميز الأحزاب المستندة إلى إديوليولوجيات معينة ، هو تقيدها بمنهج محدد ونظرة غير مرنة ، فهي مصممة على تصوير الحياة السياسية بنمطية جامدة ، و تُلزم الأعضاء باتّباع الحزب بطريقة حديدية . وتمتاز هذه الأحزاب بتفوقها في الجوانب التنظيمية، و بولاء أعضائها لها ولاء مطلقا ؛ و هي غالبا ما تصر على إخضاع الواقع لتفسيراتها و تأويلاتها ، بدلا من الاجتهاد و “التنازل” عن بعض المسلمات المبدئية مسايرة للواقع و متطلباته ، إن اقتضى الظرف السياسي ذلك .
4ـ أحزاب الأشخاص :
لا أدري إلى أي حد ينطبق شعار “أنا و من بعدي الطوفان” على زعماء أحزاب الأشخاص ، إلا أن المؤكد هو هيمنة النزعة الاستبدادية “الأبوية” على الزعيم المؤسِّس، و ما يميز هذه الأحزاب، أي أحزاب الأشخاص، ولاءها المطلق لشخص الزعيم ، سواء كان مخطئا أو مصيبا، فهو الذي يؤسس الحزب ويخط برامجه و يسيّر أنشطته ؛ فإذا مات أو اغتيل أو نُفي الزعيم ، تشتّت الحزب و تقزّم و تقسم . و نادرا ما نجد للزعيم المؤسس خلفا مناسبا يقلب أسلوب تدبير نظام الحزب .
إن تطرقنا لتعدد النظم الحزبية ، يؤكد أو ينفي تواجد تلك الأحزاب في بلدنا المغرب الحبيب ، بناء على ما نشاهده من ضبابية تطبع سيرة الأحزاب المغربية: لا هي بأحزاب الأشخاص؛و لا هي بأحزاب الإيديوليوجات بالمعنى الحقيقي للكلمة ؛ ولا هي أحزاب ذات قطبية ثنائية؛ و لا هي بأحزاب متعددة الأفكار و المناهج و البرامج .
لكن يستخلص المتتبع للشأن الحزبي و السياسي، و كذا المواطن الممارس و المهتم بالعمل السياسي، إلى أن المخزن المغربي هو الذي يرسم طريق الأحزاب بعد أن يصنعها على يده و تحت أعينه، و يجرعها ما يراه مناسبا له من برامج و خطابات و توجيهات و تعليمات، و الذي يكذب هذه الحقيقة ما عليه سوى طرح الموضوع للمناقشة العامة المفتوحة ، و الدليل ما يراه المواطن العادي سواء في كل محطة “انتخابوية” ، أو بشكل يومي في الممارسة الحزبية المغربية من تناقضات و تشتت و تفرقة و غموض مظلم ، فلا نحن في ظل نظام القطبية الحزبية الناجع في العملية الديمقراطية ؛ و لا نحن أمام تعددية حزبية و سياسية حقيقية لها طروحات مستقلة قوية ، و إن ظهر حزب بمواصفات استثنائية يغرد خارج سرب الدولة المخزنية ، إما يُقصف بشكل مباشر، أو يُهمش و يُحاصر ، إلى أن يموت موتة غير طبيعية تحت الضغط و الإكراه .
فقط ما نراه و ما نسمعه على لسان كل الأحزاب المغربية ، سواء في إعلامها أو عبر خطاباتها الداخلية و الخارجية : “نحن نعمل وفقا لأجندة السلطة الحاكمة و تعليماتها  .. ” ، فعن أية نظم حزبية ديمقراطية يتحدث “الديمقراطيون” المغاربة ، في نسختهم الجديدة و القديمة إذن ؟ ، خاصة إذا علمنا أنها جميعها تتشابه على مستوى الخطاب و الممارسة في ظل هيمنة سلطة و سطوة المخزن على كل شؤونها ؟؟؟
فعن أية تعددية حزبية وسياسية…يمكن الحديث..؟؟
Exit mobile version