لا يروق لكثير من عقلاء هذا البلد الحبيب، خطاب المزايدات الذي يروِّجه البعض عبر وسائط التواصل الاجتماعي، سواء الموجودين خارج التراب الوطني أو بعض من يوجد داخل الوطن.
هناك، مع كامل الأسف ، تيار أخذ بالتمدّد ببلادنا يرى أن الأسبقية لمصالحه الضيقة على حساب مصلحة العامة؛ ينظر إلى الأشياء من زاوية معالجته ولا تهمه الزوايا الأخرى؛ يتسابق للانقضاض على القضايا واستغلالها لعله يربح منها بعض النقاط ويطعن أعداءه وينتقم .
أعتقد ان هذا التوجه باطل مهما كانت مقوماته ودوافعه ومبرراته، لأسباب كثيرة من بينها :
أولا: أن المغرب مغربٌ له هوية وله امتداد وله ثوابت وله خطوط تماس، لا يمكن ولن يقبل أي شخص أو جهة أو دولة أو منظمة، المساس بها . هذا المغرب الحبيب صارع من أجله أجدادنا ضد الاستعمار وقبله ضد أعداء سجل التاريخ، بمداد من ذهب، بطولات المجد والفخر . كنا إمبراطورية تخشاها الامبراطوريات، ووصلت امتداداتنا الى أقاصي المعمور ، وسرنا على درب الانتصارات في محطات تاريخية، بملكيتنا وبمرجعيتنا وبهويتنا. لذلك فإن المغاربة وإن إختلفوا في مرجعياتهم وأفكارهم ، حينما يحسون بتهديد خارجي يتصدون، بعزمهم، لكل المؤامرات التي تحركها الدول الأعداء ، وخير مثال ما يقع بأقاليمنا الجنوبية التي تحركه دولة وحيدة تكن عداء تاريخياً لبلدنا وتسعى لتشتيت شملنا ، ووقف المغاربة، أحزابا سياسية ونقابات وصحافة ومجتمعا مدنيا ، وقفة رجل واحد ضد هذا العدُو الذي يحرّك عصابة من المرتزقة، ويتهدد أمن وسلامة أبناءنا الذين يعيشون بالمناطق الجنوبية . وبالمناسبة،فإن نعت وتوصيف العصابة ليس القصد منه إخوتنا الصحراويين الأفاضل الشرفاء، فهم من خيرة أبناء هذا الوطن، وهم بأخلاقهم وثقافتهم لا يضاهيهم أحد، والكل يشهد لهم بذلك. إنما هم جماعة من المرتزقة باعوا أنفسهم للعصابات المتخصصة في الحروب ،همهم الوحيد الاتِّجار بالبشر والسلاح، ويسعون لزعزعة أمن المنطقة .
ثانيا: هناك من يتلقى دعما خارجيا، وتوجيهات من بلدان لها مصالح غير مصالحنا القومية ، فلذلك يبقى خطابهم، ذا مرجعية خارج سوار المرجعية الوطنية. والمشكلة ان المواطنين العاديين ليس بمقدورهم معرفة هؤلاء وتمييز الوطنيين من غيرهم والصادقين من المحتالين والبياعة ، لكن عندما تفتح تحقيقات أمنية مع أشخاص وهيئات بخصوص التخابر مع دول أجنبية للمس بسلامة الدولة، فإن أجهزتنا لها من الدلائل والحجج ما يفيد ذلك، وخير دليل ما قدمناه لإيران حينما تورطت، مع كامل الأسف، في تدريب أفراد من عصابة “البوليساريو”، ومدِّهم بالسلاح والإشراف على تكوينهم .. والأمثلة كثيرة. لذلك يجب الحذر في التعاطي مع بعض الخطابات التي تنشر على وسائط التواصل الاجتماعي، أو على منصات اليوتوب ،وعدم الانسياق وراءها ، والبحث عن طبيعة مروجيها وعن مرجعياتهم وعن نواياهم الحقيقة .
ثالثا: إنه وإِنْ اتفقنا حول قضية وجود اختلالات ووجود فساد بمختلف القطاعات، تسبب في ظلم مسَّ عددا من المواطنين، لكن هذا لايمكن أن يكون وسيلة لابتزاز الدولة، إذ هناك أشخاص تعرضوا، فعلا، للظلم من طرف مسؤولين مدنيين أو أمنيين، لكن ليس من قبل الهيئات والمؤسسات، والجميع يعرف أن المافيات والعصابات تتوغل داخل المؤسسات الحكومية . هذه الظاهرة ليست مقاصرة فقط بالمغرب بل في كل الدول، حتى التي توجد في قائمة اللائحة من حيث مسلسل الدمقرطة. وفي اعتقادي،فإن بعض الذين يستغلون مشاكلهم الشخصية لإشاعة خطاب اليأس والتجريح والضرب في وطنهم، مختلون عقليا أو لديهم نقص أو ضعف أو ما شابه . هل يعقل أن يسب ابنٌ أمه مهما فعلت فيه علانية؟ هل يعقل أن يصل بالفرد غضبه من عائلته أو والديه ، تخصيص عشرات الأقراص المسجلة للسب والشتم ،وكشف كل الحقائق الداخلية لبيته؟ هل يصل الأمر بدركي أو رجل أمن او موظف او سياسي، تعرض فعلا لظلم، ان يتحالف مع عدوِّنا، وينقضَّ على أخطائنا وهفواتنا ويسخِّرها لخدمة قضيته الخاصة؟ بل كيف يعقل لصحفي كان، إلى الأمس القريب، يعيش بيننا معززا مكرما، فلما اختلف مع مرؤوسيه تحوّل إلى القبلة الأخرى يسبّ أهله وبيته بمجرد انه ظلم من قبل إدارته؟. (يتبع)