نـور24

صرخة سالي

نبيلة علوشا

تعالت صيحة سالي كصخب بحر ثائر،
من رحم المحن تولد المنح…هكذا قالتها وهي تتردد في شكواها إلي، تبكي بحرقة، لتجربتها المريرة.. كانت ليالي الشتاء طويلة، ولم تجد سالي ما تعانقه إلا الفراغ، فكثيرة هي الأشياء التي لا تعجبك في أوطاننا… وأد وقتل ودماء… انتابها الشوق لقتل الفراغ المذيب لعطاءاتها، لتدخل عالم التواصل الافتراضي، وتتلذذ بقتل شبابها وطموحها فيه..

عيناها تائهتين بين هذا المقال وذاك، بين هذه القصة وتلك، بين اسم وآخر… وإذا هي توقف عجلة الزمن أمام قصة حسبتها، من أجمل ما وقعت عليها عيناها الساحرتين.. وبدون أن تشعر، كان لها موعد مع القدر، لتسارع إلى الكتابة لصاحب (ة) القصة.
كانت سالي صيدا سهلا دون أن تدري، لنفس دنيئة ترصد كل مراسليها، ليس لسذاجتها وإنما لصغر سنها، وقلة تجربتها في ذلك الفيض الغريب.
حار عقلي ماذا سأكتب لكم؟ أو بالأحرى ماذا سأروي لكم عن هذا الربيع الأخضر؟ وعن هذه البراءة الجميلة الساذجة، وهي تتلطخ بلون الشتاء الذي يجمد العقول قبل الأطراف؟.
حار عقلي، وسالي تصف لي رائحة الفساد الذي يزكم الأنوف في مثل هذه المواقع.. يغيب لون العشب، والأصيل، وجماليات المساء ليرسم وشاح الغدر يلف شبيبة الفتيات.

من رحم المحن تأتي المنح، قالتها بتردد هذه المرة.. ليس شرطا أن تخوض تجربة مريرة، وقاسية لتعرف قيمة الطيف الجميل… منهارة هي تحدثني، بجرم حصل في حقها.. لم تصدق أن الفارق بينهما شاسعا، وكبيرا، وأن البون بين عشرين سنة، وستين سنة كارثة… لم تكن تعلم أن الكلمات المعسولة، لم تكن إلا استنزافا لعاطفتها، وجرها للابتزاز…

التقت به، وسقطت في غيبوبة، شيخ كبير، فأي لون ستتوهج به وجنتاها بعد اليوم؟. وكيف ستزهر من جديد؟ وكيف تعود البسمة لشفتيها الجميلتين؟ أين هو فارسها الشاب الوسيم الذي كان يراسلها؟.

من رحم المحن تأتي المنح، قالتها بيقين هذه المرة، غير أنها ثائرة على المقولة، ليست صحيحة بالبتة!فليست الطيور دائما تسقط، أو تنكسر لتتعلم الطيران. وليست دائما كل الجبال تلبس الوشاح الأبيض، لتعطي بعدها ورودا خضراء، فتجربة قد تقضي على حياتك، قد تدمر خضرتك، وتحولك الى جذب وقحط، وقد تولد لك إحباطا تتعافى منه بصعوبة …

ليس شرطا أن نعانق المحن لنعطى المنح، ليس دائما أن نخوض التجربة لنكون أقوياء، هناك ناموس في الحياة يصافحنا صباح مساء: أن نتناصح بيننا، وأن نوجه بعضنا.. من غرفتها في المشفى، تصرخ: لماذا لم ينصحني البعض؟ ما قيمة الناصحين؟ وما قيمة الآباء إن لم ينتبهوا لأبنائهم؟ و ما قيمة التواصل الاجتماعي، إذا لم يكن فيه إصلاح لجيل، وتنبيه لمراهقين، وإنقاذ لأسر من حافة الضياع، والطلاق، والتفكك؟.

قد ننقذ ضحايا بالتناصح والتوجيه، لأن المنح لا تأتي دائما من المحن، فأكثروا طرق هذا الباب، ولا تبخلوا عنه، وكونوا فاعلين .

Exit mobile version