نـور24

رائحة الموت..


آسية اعلوشن

كنت أظن بأنها مجرد مزحة، أو لنقل مجرد فزاعة يستغلها السياسيون هذه الأيام، لتحقيق مآرب معينة.. لطالما قلت في نفسي، وأنا أقرأ الأرقام التي ما تنفك تتصاعد يوما بعد يوم، معلنة تزايد الإصابات بأنها ” مجرد كذبة”..”كذبة لا غير”، “مؤامرة لعينة”..و لكن يبدو أنني لم أكن على صواب تماما.

كنت قبل أسبوعين أحظى بحياة هانئة. أخرج كل يوم للتنزه. أقصد البحر، فوحده البحر من يمكنه تحمل ما افرغه فيه كل يوم من حسرات و عبرات. استقيها تارة، من نشرات الأخبار و كل ما يبثه “الصندوق الأسود” من سموم تفقدنا أحيانا اتزاننا، فتذهب الرزانة ويختفي معها طعم الحياة و معناها.. تفقدنا البوصلة فنتوه وسط فوضى التيارات.. وتارة أخرى من خيبات الأمل، من أقنعة سقطت وربما أسماء أفل نجمها و ما عاد براقا كما السابق.. من أقارب صاروا أبعد.. من جيران لا يجمعنا بهم سوى حي أوحد…

وقفت قبل أسبوعين أمام البحر و جعلت أنظر لزرقته المبهجة، لأمواجه المتراكبة، لاتساعه و كأنه مداد لا ينفذ.. أستمد منه حبرا لأخط به بعضا من الكلمات. أتقسامها مع من يعشق الكلمات. تلك المكتوبة بصدق والأحرف المسطورة بعمق.. وقفت أمامه غير مكترثة لبرودة الطقس.. وقفت أمامه دون وجس.

و بعد أن نفذ ما في جعبتي من حكايا، عدت إلى البيت و حمى البرد تلذغ جسدي. و الصداع يفتك بجمجمتي كأنه زلزال. أمضيت أسبوعين كاملين على نفس الحال: زكام، سعال، غثيان و في الليل هذيان. أسبوعان مضيا، كنت أشرب خلالهما عصير الليمون، استعدت بفضل الله و بفضله عافيتي..لأكتشف بعدها أنني لا أشتم شيئا..حتى أقوى الروائح و أزكى النسمات و العطور لا تخترق أنفي. شعور سيء..

عدت اليوم إلى نفس المكان…إلى البحر، مزيح الأحزان. لكن، حتى هو بدا غريبا علي. كان بلا طعم و بلا رائحة.

وبخطوات متثاقلة ،توجهت صوب البيت، أجر قدماي من الحسرة ..في طريق العوة، مررت بمستشفى “محمد الخامس”. سيارات الإسعاف تأتي من كل حدب و صوب لتخترق المدخل بسرعة مذهلة.. و أمام هول المشهد تحرك أنفي..شممت رائحة غريبة لم أعرفها من قبل..فرحت كثيرا لأن أنفي يعمل أخيرا…و لأن الفضول نال مني، سألت حارس المشفى عن مصدر الرائحة، فأجابني باستغراب قائلا :” أحقا تسألين؟ “
-قلت : “أجل”، لقد استعدت حاسة الشم لتوي فهلا أخبرتني؟ “
-قال لي:” و لكن ألا تعرفين حقا؟”.
-قلت له: لا، ليتك تفعل.
-قال لي: ليتك لم تسألي. ” إنها رائحة الموت”.

 

Exit mobile version