نـور24

 الإعلامي الجزائري وليد كبير : حجم الخطيئة التي ارتكبها النظام الجزائري تجاه المغرب

الإعلامي وليد كبير

“عليكم مراجعة التاريخ لبناء المستقبل، والمغرب ليس عدُوّاً ، وليس مجرّد بلد جار بل شقيق، وكما نحب الخير لأنفسنا، علينا أن نحبه لشقيقنا الذي أخطأنا في حقّه!”
رسالة إلى السيد عبدالقادر بن قرينة بمناسبة ذكرى معاهدة إيفران(+)
 لقد كتبتم تدوينة استحضرتم فيها ذكرى معاهدة إيفران بين الجزائر والمغرب والتي وقَّع عليها في 15 يناير 1969، من الجانب الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ومن الجانب المغربي احمد العراقي، لكنه للأسف إخترتم هذه المناسبة لمهاجمة المغرب مجددا واتَّهمتم نظام الحكم في المملكة أن له أطماعا، وأنه المعتدي على ما سمَّيتموه بالشعب الصحراوي!
السيد بن قرينة أخاطبكم بصفتي جزائري، ابن بلدكم، ومن عائلة ثورية قدمت قافلة من الشهداء في سبيل تحرير الوطن؛ أخاطبكم كشخص نبش في التاريخ بأنامله، وبحثَ في الأرشيف، وحاور من عاشوا الثورة التحريرية، ومن كانوا شهودا على وقوف المغاربة بالنفس والنفيس بَدْءا من السلطان المجاهد محمد الخامس طيب الله ثراه، والملك الحسن الثاني أكرم الله مثواه، فإنني اعتبر ما تفضلتم بكتابته هو ظلم واجحاف في حق بلد جار قدّم الكثير ،وتنازل عن أراضيه التاريخية لصالح بناء علاقات أساسها الأخوة وحسن الجوار
وثيقة تؤكد فيها فرنسا رفض سكان تندوف المشاركة في استفتاء حول تقرير مصير الجزائر على أساس أنهم مغاربة ..
سأشرح لكم لماذا قلت هذا الكلام، وسأبدأ معكم من نقطة بداية الحملة الفرنسية على الجزائر والتي أكد فيها المؤرخون، وهذا موجود في أرشيف الباحثين في التاريخ بالجامعات الجزائرية، حتى لا يقال أنني متستند في كلامي على أرشيف من خارج الوطن، أن باي تونس وحاكم مصر أيدوا الحملة الفرنسية على الجزائر، في حين سلطان المغرب آنذاك، مولاي عبد الرحمن العلوي، ندد بتلك الحملة وأعلن دعمه للجزائريين، مما جعل سكان تلمسان يعلنون له البيعة ووثيقة تلك البيعة محفوظة في خزائن فاس.
ثم توالى دعم المغاربة عندما أعلن الأمير عبد القادر الجهاد ضد الفرنسيين بإسم سلطان المغرب، واستمر ذلك الدعم حتى توقيع معاهدة “تافنة”، والتي تلقى فيها الأمير هدايا أرسلها لسلطان المغرب، فأدركت فرنسا ان إضعاف شوكة الأمير يمر عبر مهاجمة المغرب، فكان قصف طنجة والصويرة سنة 1844، ثم معركة واد إيسلي، قرب وجدة، التي انهزم فيها الجيش المغربي أمام القوات الفرنسية، وانبثق عنها معاهدة لالة مغنية القاسية، وأكرر أنها كانت قاسية لأنها احدثت تغيرا تاريخيا في المنطقة، وأسست لزرع الحقد وسياسة فرّق تَسُد بين الجزائريين والمغاربة. ولعلمكم فإنني أنتمي الى احدى القبائل التي ذُكر إسمها في المعاهدة.
سأنتقل بكم الآن الى أطول مقاومة شعبية والتي قادها الشيخ سيدي بوعمامة طيب الله ثراه، وشارك فيها جدي الحاج سليمان كبير الى جانبه ضد الاستعمار الفرنسي، وأُعلن فيها الجهاد بإسم الاسلام. ألم تكن تلك المقاومة نتاج جهاد مشترك بين الجزائريين والمغاربة؟ ألم يولد الشيخ سيدي بوعمامة بفكيك المغربية، وأن المنية وافته بالعيون سيدي ملوك ،غرب وجدة؟ ثم هل تعلمون ان سيدي بوعمامة كان مبايعا لسلطان المغرب، وان مقامه يحظى بالرعاية الملكية الى يومنا هذا؟
سأعرج بكم الآن الى بداية القرن العشرين عندما بدأ الاستعمار الفرنسي في اقتطاع الأراضي التاريخية للمغرب، والتي لم تشملها معاهدة لالة مغنية التي كانت محددة فقط شمالا، من قلعة عجرود، أي السعيدية، الى غاية ثتية الساسي جنوبا؛ اما باقي المناطق الممتدة نحو الصحراء، فسكانها كان لهم ارتباط روحي مع المغرب بحكم مبايعة السلطان، وكان لهم ارتباط اداري بحكم الظهائر الشريفة التي كانت تعين القواد وخلفاؤهم في تلك المناطق، وكان آخرهم القايد ادريس بن الكوري على منطقة توات والذي هزمته قوات الاستعمار في عين صالح سنة 1900.
آخر الأراضي التي سيطرت عليها فرنسا كانت تندوف التي أسستها قبيلة تجكانت المعروفة والممتدة بالمغرب وموريتانيا منذ سبع قرون، تندوف التي كان على رأسها باشا معيَّن بظهير مخزني؛ تندوف التي رفض سكانها، عند استفتاء تقرير المصير الشعب الجزائري، المشاركة فيه، بحكم أنهم مغاربة، ولكم أن تطلعوا على الأرشيف الفرنسي؛ وبدوري سأنشر في المقال وثيقة تم تسريبها مؤخرا تؤكد ما أكتبه!
بعد اندلاع الثورة التحريرية، وقرار السلطان الراحل محمد الخامس دعم الجزائريين لنيل استقلالهم، حاول الاستعمار استمالة السلطان، كي يوقف دعمه مقابل التفاوض على إرجاع الأراضي التي اقتطعها من المغرب، لكن محمد الخامس رفض بشدة ذلك العرض ، وواصل دعمه للثورة، وتم الإتفاق بين الحكومة المغربية والحكومة المؤقتة الجزائرية لبحث مسألة الحدود بعد استقلال الجزائر، لكن شاءت الأقدار ان يلتحق محمد الخامس بالرفيق الاعلى قبل استقلال الجزائر بسنة!
بعد الاستقلال حدث ما حدث سنة 1963 في حرب الرمال، ثم جاءت معاهدة إيفران التي استحضرتموها اليوم وتلتها معاهدة تلمسان والتي تُوِّجت بعد سنتين بإتفاقية ترسيم الحدود الذي تنازل فيها المغرب، بشكل نهائي، عن المطالبة بالاراضي التي كانت تابعة له، مقابل استغلال مشترك لمناجم غار جبيلات، وكان تعهد شفهي آنذاك من الراحل بومدين تجاه الحسن الثاني، ان تدعم الجزائر جارها المغرب في معركة تحرير الصحراء التي كانت تحت الاحتلال الإسباني!
لم يقدِّر نظام الحكم في الجزائر قيمة التنازلات التي قدمها المغرب مقابل السلام وحسن الجوار، وارتكب بومدين رحمه الله الخطيئة، ونقض العهد الذي اعطاه للملك الحسن الثاني على مرتين: الأولى عندما تم توقيع معاهدة ترسيم الحدود سنة 1972 ، والثانية في القمة العربية التي انعقدت في الرباط ؛وهناك تعهد بومدين مرة اخرى للحسن الثاني ان يدعمه في ملف الصحراء مقابل ان يقنع ملك الأردن بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. وكان له ذلك واعترفت الأردن في تلك القمة بياسر عرفات رحمه الله.
السيد بن قرينة، أدعوكم الى الإتصال بمصالح رئاسة الجمهورية الجزائرية لتزويدكم بالمادة الأرشيفية، التي تتضمن خطاب الرئيس الراحل هوراي بومدين رحمه الله ،في الذكرى العاشرة للتصحيح الثوري 19يونيو 1975؛ في هذا الخطاب قال بومدين بالحرف الواحد: “بالنسبة لنا فإن رجوع الصحراء الغربية، مغربية او موريتانية، المهم ان ترجع أرض عربية اسلامية”، وأتمنى ان تنشر نص الخطاب كاملا حتى يقرأه الجميع.
بعد أيام أوفد بومدين عبد العزيز بوتفليقة الى الرباط، واصدر بيان مشترك من هناك أكدت فيه الجزائر دعمها للمغرب، لكن بعد رجوع بوتفليقة تغير كل شيء وحدث ما حدث!
السيد بن قرينة، أردت استحضار هذه المحطات التاريخية كي ندرك جميعا حجم الخطيئة التي ارتكبها نظام الحكم في بلدنا تجاه المغرب، الذي قدم تنازلات كبيرة، وتصرَّف بحكمة ،لكن حكامنا كانوا متعجرفين ومتنكرين للتاريخ وللتضحيات ومازالوا، وإنني أعتبر ان هذا التصرف مجرد نصب وإحتيال وخداع.
من المفروض أن الجزائر هي الدولة الأولى الداعمة للمغرب في ملف الصحراء التي اعتبرها مغربية، بحكم التاريخ والمنطق، وانّ دعم حركة انفصالية ضد الجار، هو عمل مجانب للصواب وخطيئة كبرى في حقه ،وفي حق مستقبل الجزائر والمنطقة المغاربية، وتنفيذ لأجندات الاستعمار الذي يخيفه اتحادنا وتكاملنا ولا يعجبه أن نكون على كلمة واحدة.
السيد بن قرينة، المغرب لا يهدد بتاتا السيادة الجزائرية، ولم يهاجم الأراضي الجزائرية بعد توقيعه للمعاهدة. بالعكس نظام الحكم في بلدنا احتضن جماعة انفصالية، وتدخَّل جيشنا في الأراضي المغربية بالصحراء بأمغالة، ودَعَّم “بوليساريو” بالسلاح والعتاد، وسمح لها بأن تهاجم المغرب انطلاقا من الأراضي الجزائرية. وهذا خرق سافر لمعاهدة إيفران خصوصا في مادته الرابعة والخامسة، وتنكُّر لتنازل المغرب وإعترافه بالحدود سنة 1972!
مَن المعتدي، إذن، يا السيد بن قرينة؟ أليس نظام الحكم في الجزائر؟ عن أي تقرير مصير تتحدثون عنه؟ كيف أن توجُّهكم الإسلامي المؤمن بوحدة الأمة من جهة، ومن جهة أخرى تدافعون عن تقسيم بلد جار مسلم؟ ثم ألم تنتبهوا ان كل الدول العربية والاسلامية تدعم المغرب ووحدة اراضيه إلا بلدنا الجزائر؟ يعني كلهم على خطأ إلا نحن؟؟
نظام الحكم في الجزائر لا يهمه مصير تلك الساكنة في مخيمات تندوف؛ ولا يهمه مصير الشعوب المغاربية التي ملّت من بقاء فضاءها المغاربي مشلولا وعنوانا بارزا لبراثين الفقر والهوان؛ ولا يهمه، للأسف، مستقبل الجزائر ووحدة أراضيه، فدَعْمُ حركة انفصالية خارج حدودك هو من باب المنطق، فتح للأبواب أمام ظهور حركات انفصالية داخل حدودك!
عليكم مراجعة التاريخ لبناء المستقبل، والمغرب ليس عدُوّاً ، وليس مجرّد بلد جار بل شقيق , وكما نحب الخير لأنفسنا، علينا أن نحبه لشقيقنا الذي أخطأنا في حقّه!
والسلام عليكم.
(+) السيد عبد القادر بن قرينة رئيس “حركة البناء الوطني” الجزائر.
Exit mobile version