إن المتتبع لشريط الأحداث، التي شهدتها الساحة التربوية، من إضرابات واحتجاجات، قابلتها الحكومة بالقمع والاعتقالات والمحاكمات، هي ممارسات ضد الشعارات المرفوعة التي تتوخى النهوض بالمنظومة التربوية، وبعيدة كل البعد عن الأهداف المنشودة من تجويد وارتقاء بالممارسة والمنظومة التربوية معا؛ هي أحداث تعمق أزمة التعليم بلا شك جراء التعنت، وسياسة الآذان الصماء التي تزيد الأمور تعقيدا، ويبقى المتعلم الضحية الأولى لانعكاساتها السلبية على تحصيله وتعليمه، وبالأحرى تجويدها بسبب هدر الزمن المدرسي.
من أسباب فقدان الأسر الثقة في المدرسة العمومية والمدرِّس معا، التقرير الأخير للنموذج التنموي الجديد، الذي سلط الضوء على المدرّس، وأوصى بوجوب الارتقاء به وتحفيزه حتى يقوم بمهامه على الوجه المطلوب، لأنه صمام أمان العملية التعليمية؛كما طالب بإعادة الثقة للمدرسة العمومية لاستعادة جاذبيتها.
نعم الارتقاء وفقدان الثقة وعدم التمكن من التعلمات الأساس، اختلالات رصدها التقرير، وحثَّ الفرقاء والمسؤولين عن القطاع، الوقوف والعمل عليها لتصحيحها ومعالجتها وفق الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار. لكن اليوم،يتم، مع الأسف، تكريسها وتعميقها بالتعنت ونهج مقاربات تسيء للمنظومة التربوية خاصة وللوطن عامة؛ وتضرب في الصميم مصداقية الشعارات المرفوعة من أجل نهضة تربوية ….
إن الأسلوب الممنهج وسياسة الآذان الصماء التي تنهجها الحكومة مع المطالب المشروعة للأساتذة، تؤَجِّج الوضع، وتُذْكي الاحتقان، وتعمِّق أزمة الثقة بين الأطراف، وهذه الأخيرة،يكون الجميع في حاجة ماسة إليها اليوم لمواصلة طريق الحوار،في أفق إيجاد حلول للملفات العالقة، فتحقيق الجودة والنهضة التربوية والارتقاء بها ،كما نقول دائما، لن تتحقق إلا برد الاعتبار والثقة للمدرّس، بتحقيق مطالبه الملحاحة، وإيلاءه مكانة تليق به في المجتمع، لأنه مفتاح نجاح المشروع التربوي والمدرسة العمومية ، والأحداث الأخيرة ضرْبٌ لكرامة رجال ونساء التعليم، وخَدش للجسم التربوي عامة، ولمصداقية المدرسة العمومية ولمبدأ تكافؤ الفرص بين المدرستين.
على حكماء هذا القطاع والوطن ،وكل الضمائر الحية، التحلي بالحكمة والوطنية لإنقاذ الموسم الدراسي الحالي، واستحضار مصلحة الطفل، بإسقاط تلك الأحكام، والتسريع بإخراج نظام أساسي منصف وعادل ومحفِّز للجميع، ضامن للاستقرار النفسي والمهني لأطر التربية والتعليم والتكوين، مُحقِّق لمطالب جميع الفئات من إدماج وترقية … مع عودة المدرِّسين والمدرّسات إلى الفصول، والبحث والتفكير في الصيغ الكفيلة لتعويض المتعلمات والمتعلمين لساعات من هدر الزمن المدرسي، لإنصافهم ودعمهم، وتمكينهم من حقهم في التحصيل.