يمكن اعتبار رسالة وزير التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة، بنموسى، الموجهة إلى الأساتذة والأستاذات، من دون مناسبة، جوابا من الوزارة على حسن النية التي عبّرت عنها التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين، بتعليقها الإضراب، مؤقتا،ليومين متتاليين، قبل استئنافه بقية أيام الأسبوع؛ والتوقُّف ربما رسالة تحذيرية من التنسيقية للوزارة والحكومة، لكي يتحمّل كل طرف مسؤوليته لِما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلا، في حالة نهج سياسة التعنُّت والآذان الصماء؛ كما أنها فرصة لفتح باب الحوار الجاد والبنّاء، لإيجاد حل للملف وطيِّه نهائيا.
لكن الحل لن يتحقق إلا بالإدماج المتشَبَّث به من طرف التنسيقية، وكذلك إعطاء الحكومة الفرصة للوقوف على الأحكام الصادرة في حق الأساتذة الذين صدرت في حقهم متابعات قضائية. نعم، إنه توقُّف صحي بمثابة مدّ اليد للوزارة، ومن خلالها للحكومة، وتجسيد لحُسن نية التنسيقية لإيجاد مخرج للمشكل الذي عمّر طويلا، وعمّق هدْر الزمن المدرسي، وأنهك جيوب الأساتذة بكثرة الاقتطاعات.
إن الرسالة التي وجهها السيد بنموسى بمثابة جواب ،واضح منه، على موقف التنسيقية الإيجابي، التي أرادت به فسح المجال أمام الأطراف، للتفكير ووضْع النقط على الحروف، ليتحمل كل واحد مسؤوليته التاريخية. لكن جواب الوزير أسكن الكرة في مرمى التنسيقية بعد أن كانت في مرمى وزارته؛ وبرسالته هذه يمد أيضا اليد للتنسيقية خاصة، ولرجال ونساء التعليم، لشحذ الْهمم وجعل المصلحة الفضلى للتلميذ فوق كل اعتبار؛ رسالة حملت في طياتها العرفان والأمل في المستقبل، والدعوة للتعاون والتضحية، وتعزيز الثقة، لمواصلة الحوار لتحقيق النهضة التربوية المنشودة.
بهذا الجواب يبقى القرار للتنسيقية، الذي لا يجب اتخاذه إلا بعد قراءة متأنِّية للرسالة ، ومنْحها الوقت الكافي لاستيعاب فحْواها، والتقاط إشاراتها، وعدم التسرع في إتخاذ قرارات ارتجالية مصيرية، قد تعصف بالموسم الدراسي الحالي؛ وذلك ليس من مصلحة أحد؛ فالظرفية تستوجب من الجميع استحضار مصلحة المتعلمين والمتعلمات، وأُسَرهم، بعد تفاقم هدْر الزمن المدرسي، خاصة في القرى والمراكز شبه الحضرية، وهو ما رصده التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات رغم أنها مسؤولية مشتركة؛ وضرورة التحلي بالحكمة والدهاء ونكران الذات، والترفُّع عن التّعنُّت، وتقديم تنازلات من كلا الطرفين للوصول إلى الحل وإنقاذ الموسم الدراسي، وإنصاف المتعلمين والمتعلمات. فكيف سيكون رد التنسيقية ؟
هل بالتصعيد أم بالاحتكام إلى لغة العقل ومصلحة التلاميذ؟ من خلال التتبع والمواكبة للمشهد، واستقراء الواقع والمحيط التربوي، ربما يكون الرد الأمثل على رسالة السيد الوزير، هو العودة إلى الفصول الدراسية، وإيقاف مسلسل الإضرابات؛ وستكون نقطة تُحسب للتنسيقية وستحظى بتقدير وعرفان وتعاطف الأسرة التربوية جمعاء؛ وستساهم في تقريب وجهات النظر، وستعمل على استعادة الثقة بين الأطراف للحوار، لإيجاد مخرج مُشرِّف يُرضي الجميع؛ وسيظل موقفا وطنيا تاريخيا يستحق كل التقدير والتنويه؛: موقفٌ سيكبر في أعين الوطن، وأصحاب القرار والأُسَر أيضا. بذلك ستكون التنسيقية قد سجلت هدفا بارزا في مرمى الوزارة الوصية والحكومة معا، وفي الوقت الميت؛ وربما سيكون مدْخلا لحل الملف، والانصياع لمطالب التنسيقية.
آنذاك ننتظر ردة فعل السلطات الوصية على هذا الموقف الإيجابي، أما أن يتمسّك كل طرف بمواقفه، وذاك ما لا نتمنّاه، دون تنازلات وتضحيات، فستكون العواقب،لا قدّر الله، وخيمة على الجميع.. والضحية هو ….الطفل.