نـور24

على مرفأِ العبور لسِدْرة الْمُنتهى

هناء مهدي

طرق بابي.. سأل أن يعْبر إلى حضرة السالكين مقتحما خلوتي الصوفية، ليغوص في عوالم أعيشها بين أرواح الموتى ورفاة الأحياء..

العينان شُرفتا الروح، وسبيل للعبور إلى سدرة المنتهى.. إلى جنة خلدي.. سألني أن يسلك.. أن يقرأ أسطري الصامتات. ليكشف ما غزلته في برزخ النفس من حزن وألم وفرح وآمال..

 

على مرفإ العبور استقلّ سفينة روحي
سيبحر إلى عالمي اللامنظور.. سيقرأ عيني الحانية.. لن أمنحه جواز سفري لن يعبر إلى روحي الفانية.

 

ناشدني البوح بالمكنون.. أن أخلي سبيل عبرة انحسرت وناشدت الانطلاق.. لن أحرر الوجع الراقد في دهاليز الأعماق.

هو الخريف ضيفي الثقيل الجاثم على صدري جاءني مساكنا وعمر .. أطبقت على شفتي وصُمت عن الكلام .. طاوية قراطيسي القديمة وأبجديات رعونتي الماضية.

 

استجمعت شجاعة الكون. تجهَّزت بزاد الفقير الراحل إلى مولاه. واعتصمت بباب الرضا في معتكف العشق الأبدي.. سأعيش الحضرة الجامعة في عالم الجبروت بعيدة عن الأنام.

شهدت طقوس العزاء قبل الوداع الأخير..
ووقفت في طابور الراحلين مُلتحِفة كفْني..
أنشُد السفر الى كوكب الموتى
هي الوحدة صارت سكني..
وشوقُ لُقيا الحبيب تدفَّق..

التمست بَوْصلة الروح لأهتدي للخلاص الأبدي..
صرفت المريدين عن حضرتي .. نحيت مَن يقتفي سبيل مشيختي.. مَن نازعني الأفق الأعلى.. ولحظة الْفَيْض.

انهمر المطر غزيرا بحائط مَبْكَايَ ليمحُو همومي ويُذيب الجليد عن شُرْياني.. ويحرّر روحي من الْأسْر.
بين الصحوة والإغماء عادني.. جاءني بعد رحيل طويل .. مُمدّاً لي بطَوْق النجاة..
تعوّذتُ واعتصمت بخلوتي.. وتوجهت لقبلتي ساجدة واضعة جبيني على الأرض .. مدد يا وحيد يا أحد.

بكل الحيل.. بكل المغريات التي كنت أشتهي.. بالورد الجوري.. بالماسة الزرقاء، بتفاحة العشق، بالزمرد وبالمرمر.. استجار جواري خاطبا ودِّي، طالباَ رفقتي، مستجديا مفاتيح سدودي الشاهقات..

حاول تمزيق كفني.. ناشد تحرير مدادي.. لأصَلِّي على ورقي صلاة الاستسقاء. لأنسج من وجعي نصا يشهد مخاض حياة آتية ، لأغزل شعرا، لأُحْيك نثْرا… سينْسَل عبر زلاّت قلمي.. إلى حيث يرقد سرِّي.. حيث يقف حراسي ضد الغزاة.

استنفرت جنودي.. حصّنت صومعتي بالحديد والنار، أعلنت أن الويل لمن دنا واقترب..
لن يشوب طقوس عبادتي.. لن يستميل نفسي للهوى.. لن يستدرجني لكوكب الاشتهاء.

رحل الغريب.. ذهب الغريب.. وأفل.

بين خوالج نفسي انطويتُ وفنيت. وداعبني التَّوْق.. ما معنى ان أحيَى بطعْم الموت؟

اعتصمتُ بمعتكفي زاهدة عن الدنيا وما فيها.. فجاءني ذات حلم بهيئة عبْدٍ ساجد لمَوْلاه.. عاد مريدي مستسلما وقدّم لي طقوس الولاء.
وضعت يدي على فؤادي مانعة رفْرَفرة جناحين نَزِقتين.
أحسست توّاً بالاختراق.
لحظةَ انسلاخ.. لحظة احتضار الروح التي اعتصمت بالأرض..
معركةٌ داخلي حمَى وطيسها بين الحياة والموت.
أحسستُ بالإغماء ثم بِنَوْبةٍ هستيرية وصراخ.. وكاد حلمي الجميل أن يُغتصب.
كتم المريد على نفسي ليُوقف تناسُلَ أصواتي وأفكاري الباليات.. نفذ إلى جلدي بكل قواه.. نطق صوتي.. وتلوَّنت خدودي ..
استرجعت من أعماقي بعضا من الوجع.. ورميته عني بعيدا بعيدا.. لأرتاح.

++++++++++++

رقصنا معاً رقصة سيّد العشاق*:
“ياسيدي لا تُسلِّمني إلي إغواء النفس
لا تتركني مع أيٍّ سواك
لِخوفي مني أسرع إليك
انا منك فأَعِدْني إليّ”

*جلال الدين الرومي

Exit mobile version