نـور24

مقاربة تحليلية حول ظاهرة الهجرة السرية ـ العلنية 1/2

 

عبدالإله الوزاني التهامي

يعترف أغلب الدارسين والمهتمين بموضوع الهجرة بوجود صعوبة كبيرة في التوصل إلى تعريف دقيق جامع مانع، يسلط الضوء على ظاهرة الهجرة السرية من نواحيها المختلفة. لهذا نجد تباينا واختلافا واضحين في نعت هذه الظاهرة إعلاميا، فمن “الهجرة غير القانونية” أو “الهجرة السرية”، وصولا إلى نعتها بصفات قريبة من “الأعمال الإجرامية” أو الاشتباه في ارتباطها ب”الشبكات الإرهابية”..(؟) وتلخصها دراسات بأنها نتيجة مباشرة أو غير مباشر لاستشراء الفساد والاستبداد، ونهب الثروات الوطنية، وكذا نتيجة اختلال التوازن في الدورات المالية عبر العالم.
لمعرفة بعض حقائق الهجرة عموما، والهجرة السرية خصوصا، أنجزنا هذه المقاربة المتواضعة.

 

تعتبر ظاهرة الهجرة السكانية قديمة قدم الجنس البشري، إلا أنها في عصرنا الحديث تعدت كل الحدود الوطنية والإقليمية، وشملت فئات متفاوتة ومتباينة، من كل الأعمار والجنسيات، والأعراق والسلالات، والمستويات الثقافية والاقتصادية والتخصصات المهنية. ونظرا لملازمة الهجرة للإنسان منذ وجوده، فقد كانت عاملا فعالا ومؤثرا في انتشار الجنس البشري، انطلاقا من موطنه الأصلي نحو مناطق جديدة، حيث تم تعمير الأرض وظهرت مجتمعات وثقافات إنسانية مختلفة.

والهجرة ظاهرة شمولية ومعقدة بطبيعتها وبأشكالها وبنتائجها. لهذا فمقاربتها يمكن أن تتم من عدة جوانب: اقتصادية،اجتماعية،سياسية ، ثقافية ،نفسية وقانونية. وعلى هذا الأساس، قام الباحثون في العلوم الإنسانية بمحاولة لتفسير الظاهرة انطلاقا من التعرف على أسبابها، وانتهوا إلى عدد من الحقائق التي تلقي الضوء على المقصود بها وعواملها وتقديرها ونتائجها.

ما المقصود إذن بالهجرة…؟ هل يمكن الحديث عن إطار نظري لتفسير الظاهرة…؟ ماهي تصنيفاتها وعواملها ونتائجها، أي أضرارها ومنافعها..؟

الهجرة كعملية، تزايدت معدلاتها في العالم اليوم، على نحو ملحوظ، نتيجة لتغير نظام العمل والإنتاج، ومن هنا يُنظر إلى الهجرة باعتبارها علامة بارزة على التغير الاجتماعي، بدليل ارتفاع وتيرة التحركات السكانية نحو المراكز المنتعشة اقتصاديا بالأساس. وبهذا تكون الهجرة بمثابة “عملية انتقال أو تحوّل أو تغير فيزيقي لفرد أو جماعة من منطقة إلى أخرى داخل حدود بلد واحد، أو من منطقة إلى أخرى داخل حدود بلد واحد، أو من منطقة إلى أخرى خارجية.

تُعرف كذلك بأنها حركة سكانية يتم فيها انتقال الفرد أو الجماعة من الموطن الأصلي إلى مكان آخر يختاره المهاجر، لأسباب تتعلق بالظروف التي دفعته للهجرة.

التحليل النظري للهجرة
إن اختيار إطار نظري معين، يعني معالجة الموضوع من زوايا خاصة وإهمال زوايا أخرى. ونظرا لتداخل عدة عوامل، اقتصادية وإحصائية، فإن هناك تفسيرات مختلفة لظاهرة الهجرة، أولا:
– نظرية الدفع والجذب، من هذا المنطلق، فظاهرة الهجرة هي نتيجة لوجود بيئتين مختلفتين، و يتجلى اختلافهما في عوامل كل واحدة منهما، فهناك العوامل الطاردة في بلدان المنشأ، وهناك العوامل الجاذبة في بلدان المهجر/الاستقبال. وأول من استعمل نظرية الدفع والجذب هو “رافونستاين ـ ـ Ravenstein”.

أــ العوامل الدافعة/الطاردة
التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وعدم وجود سياسات فعالة فيما يخص توظيف الطاقة البشرية/اليد العاملة والأدمغة المبتكرة، البطالة وانخفاض الأجور، غموض المستقبل، اضطراب المشهد السياسي، انتهاك حقوق الإنسان، الفساد الإداري والمالي، عشوائية نظام التربية والتكوين، …

ب ــ العوامل الجاذبة
رُقي مظاهر التمدن، ارتفاع الأجور، تَنوُّع فرص الشغل، حاضرٌ مطمئن يبشر بمستقبل زاهر، التطور السريع في المجال العلمي والتقني، حرية التعبير والديموقراطية …

– نظرية النزاعية ” l ècole du conflit”
يؤكد أصحاب هذه النظرية ـ المدرسة ـ على أن نمو الثورة الرأسمالية التي دمرت النظم التقليدية للإنتاج، وأحدثت في نفس الوقت انفجارا سكانيا وفائضا في السكان الذين لا يستطيعون أن يجدوا عملا في أوطانهم، ومن تم يهاجرون لسد حاجاتهم. ويرى أصحاب هذه النظرية أيضا، أن التقدم والتخلف هما وجهان لعملة واحدة، والمتمثلة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي الذي يعتمد من أجل بقائه على استمرار وضعية اللآمساواة الاقتصادية على الصعيد العالمي.

الهجرة هي نتيجة لعدم التوازن التي تُحدثه الاتصالات المالية والتجارية وغيرها بين الوحدات غير المتساوية اقتصاديا، حيث تجذب الوحدَة الأقوى ذلك الفائض الذي عند الوحدة الأضعف، ويعتبر هذا الفائض جيشا احتياطيا لدى الرأسمال ليتصرف فيه بمحض حريته، مما يؤثر على المزايا المكتسبة للعمال الآخرين ـ تجدر الإشارة إلى أن إثارتنا للدافع الاقتصادي لظاهرة الهجرة لا تحجب الدوافع الأخرى، السياسية، النفسية، والشخصية …

ــ تصنيف الهجرة
تتنوع حالات الهجرة بتنوع أسبابها ووسائلها، ويمكن تصنيفها إما على أساس المكان الذي يتم الانتقال إليه أو على أساس إرادة المهاجر، أو على أساس الزمن الذي تستغرقه العملية.
ـ تصنيف الهجرة حسب المكان: وهي إما داخلية ـ داخل الوطن ـ أو خارجية ـ دولية، خارج الحدود .
أـ الهجرة الداخلية: أي انتقال الأفراد والجماعات داخل حدود المجتمع الواحد، وذلك بالترحال من منطقة لأخرى، ومنها على وجه الخصوص الهجرة من القرى والبوادي نحو المدن. وكذا الهجرة من جهة أو إقليم إلى جهة أو إقليم آخر، كالهجرة من الداخل بالنسبة للمغرب نحو المدن الشمالية.
ب: الهجرة الخارجية: وهي رحيل عدد من أفراد المجتمع إلى دولة أخرى، وذلك رغبة أو رهبة، رغبة في الحصول على عمل وعيش كريم، أو فرارا من اضطهاد حكم نظام مستبد، أو هربا من حرب أو كوارث طبيعية.
ومن باب آخر، يمكن تصنيف الهجرة حسب القائمين بها:
أـ الهجرة الإرادية: وهي التي يقوم بها الأفراد أو الجماعات بمحض إرادتهم من منطقة أو بلد نحو جهة أخرى، دون ضغط أو إكراه.
ب ـ الهجرة القسرية: أي الاضطرارية، وهي تنقل أفراد أو جماعات من أماكنهم الأصلية إلى أخرى، مرغمين بدوافع طبيعية كالجفاف أو الزلازل أو الفيضانات، أو بدافع الحروب، أو التهجير القسري ـ فسطين نموذجا ـ .
تُعد عوامل أخرى كالبطالة والفقر وقمع الحريات وغياب الدور التأطيري للأحزاب والجمعيات، من أهم العوامل المباشرة في التشجيع على الهجرة، وتفشي ثقافة اليأس من كل ما هو داخلي مقابل التعلق بالآخر والانبهار بنمط عيشه كل ذلك صورة معبرة عن ما ذهبنا إليه.

تصنيف الهجرة حسب الزمن
أـ هجرة دائمة: وهي التي يغادر بفعلها المهاجر بلده الأصلي نهائيا ـ مع العودة مرة في العام مثلا ـ ، يذوب بفعلها المهاجر في المجتمع الجديد، فيصبح كالمواطن الأصلي، له ما له وعليه ما عليه.
ب ـ هجرة مؤقتة: وهي المتصلة أساسا بميادين العمل الموسمية، كالفلاحة والسياحة و.. ، حيث يقضي المهاجر شهورا معدودة في العمل، ثم يعود إلى بلده الأصلي، دون أن يتأثر ـ أو يؤثر ـ في محيط البلد المضيف أو ينصهر في نسيجه الاجتماعي والثقافي.

ـ أسباب الهجرة
عوامل عدة تساهم في التشجيع على الهجرة، منها:
ـ العامل الاقتصادي: إن البطالة والفقر، وانخفاض الأجور ونقص الطلب على الإنتاج الفردي … ، كلها عوامل اقتصادية تدفع المتضرر إلى مغادرة وطنه بالسبل المتوفرة، نظرا لغياب أمن غذائي وتعليمي و”روحي”، حيث يكاد الفقر أن يكون كُفْرا ، كُفر بكل شيء.
ـ العامل الديمغرافي: إن الانفجار السكاني الذي لا توازيه سياسة محكمة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي، غالبا ما يؤدي إلى الإخلال بأسس التوازن في حياة الشعوب. وبالتالي يتم التفكير بإلحاح في سد الثغرات الناتجة عن ذلك عبر مصادر مختلفة ـ زراعة الكيف، التهريب، الهجرة، .. من أجل أن يشبع الإنسان رغباته الطبيعية والحفاظ على وجوده وكينونته بين البشر. لهذا تجد من يعتقد بالفعل بأن “وطنا لا يُؤمِّن لقمة العيش، وطنٌ لا يستحق إلا الهجران”. وقد قال حكيم: “في أُذن الجائع لا يسمع إلا صوت يبشر بالخبز”.
ـ العامل السياسي:
نستحضر في هذا الإطار حكمة تقول: “في أُذن المقموع لا يسمع إلا صوت يبشر بالحرية”. إذ أن الظلم والاستبداد وغياب الديمقراطية وانتهاك حرمات وحقوق الإنسان، كلها صور لمجتمع مُتَّسم بالاضطراب وعدم الاستقرار والسلبية. فلا يأمن الإنسان في مثل هذا المجتمع لا على عرضه ولا على دينه ولا على عقله، الشيء الذي يدفعه إلى البحث عن مكان آمن يقيه شر ما ذُكر.
(يُتبع).

Exit mobile version