عبدالإله الوزاني التهامي
بروح وطنية عالية، وبجهود قتالية حقيقية، يخوض المايسترو المغربي الأصيل، وليد الركراكي، معارك مباريات نهائيات كأس العالم 2022، وقد تميزت مسيرته التدرجية بخطى ثابتة، حيث بدا ،قُبيل خوض أولى المباريات، وكأنه لا يريد سوى استقرار وضعية نخبته وانسجام أعضائها، ثم بعد إحرازه لتعادل ثمين ضد وصيف بطل العالم، عبّر عن طموح أكبر بإحرازه فوزا مستحقا على ثاني منتخب في الترتيب العالمي، ثم نال فوزا ختاميا للدور الأول على منتخب مقصي لَعب بدافع انتحاري.
الركراكي وطني حتى النخاع، وهو إطار من طينة محلية صرفة، تدربت وكسبت الخبرة اللاّزمة خارج الوطن، مثله مثل خبراء في مجالات علمية وفكرية وثقافية وصناعية مختلفة، ثم عاد ليخدم وطنه الأمّ بطريقة مختلفة تماما عن طرق الإطار الأجنبي، الذي يستسلم،في الغالب، بين يدي اللوبي المهيمن على تدبير جامعة الكرة الوطنية.
كثيرة هي رسائل الركراكي، المُرسَلَة لاتجاهات متعددة، فهو بتأَلُّقه يؤكد للشعب أنه لا شيء مستحيل تحقيقه بتلاحم القيادة والمواطنين، وتظافر الجهود، بالدعم المعنوي، وأن كل المواطنين بإمكانهم تفجير طاقاتهم وتوظيفها بشكل دقيق لصالح الأهداف النبيلة للأمة.
ثم إن رسالته تخص الجامعة مفادها أنه كلما التزم أي مسؤول بحدود مسؤوليته ووظيفته ، ولم يتشطط، ولم يستغل نفوذه، ولم يتدخل في شؤون الإطار والمسؤول الآخر، إلا وارتفع منسوب مردود كل مسؤول على حدة.. والنموذج ما نراه في تدبير الشأن الكروي الوطني منذ أشهر قليلة، حيث ترك للسيد وليد حرية القيام بعمله دون تدخُّل من أيّ جهة، مما فسح مجال الفعل أمامه، وسهّل عليه ممارسة مهمته بكل تفان وجد ومسؤولية دون أن ننسى رسائل أخرى كثيرة لنجاحات الركراكي يصعب حصرها في مقال مختصر، لكن الأسوأ منها ما بدا مؤخرا للرأي العام الدولي من انحطاط لِما يُسمون بالصحفيين، على مستوى تصرفاتهم وأسئلتهم المذاعة والمنشورة على نطاق عالمي، أظهرت بالملموس أننا مع الأسف لا نتوفر على صحافة كُفأة، تواكب التطور الحاصل في كل مجال على حدة، وما الأسلوب المنحط للأسئلة التي وُجهت للسيد الركراكي إلا المثال الأقرب، حيث تخيل المشاهد وكأننا أمام صحافيين من الدرجة تحت الصفر بعدم ضبطهم وإتقانهم لأبسط أبجديات الصحافة، وأما عن أسلوبهم ولغتهم، فالأفضل ألاّ نسهب فيه، فلا لغة عربية فصحى يتقنون، ولا حد أدنى من لغات أجنبية يستطيعون بواسطتها إيصال رسالتهم للمدرب المستجوب، “شوهة” مع الأسف.
الركراكي خاطب المغاربة على مستوى الكرة والثقافة ، بطرق خفية وأخرى علنية، مفادها أن المغاربة قادرون على صنع المستحيل، وأن المغرب يحبل بالطاقات والمواهب ، تحتاج فقط لمن يقدّرها، وتحتاج لصفاء النية وحسن الاستثمار وجودة التدبير؛ ومفادها أيضا أن لا وجود لقوة محتكرة لفنيات الكرة لا يمكن إزاحتها، وإنما بإمكان كل من يعمل بخطة وتكتيك ونية، أن يزيح من يعتبرون أنفسهم كبارا في مجال الكرة مثلا، وما نتائج مبارياته إلا الدليل الأوضح على ما نقول.
نعم، إن الركراكي رجل وطني قح، يحب بلده الأصلي، ووفي لمهنته ، ومنسجم مع آماله وطموحاته. فماذا نريد من إطار وطني من هذه الطينة سوى الدعم المباشر، والابتعاد عن مجال اشتغاله بعدم التدخل فيه إلى أن يحقق المراد.
مَن أدخل الفرحة على ملايين المغاربة ومئات الملايين من العرب والمسلمين، في ظرف قياسي، غير وليد الركراكي، هذا الرجل المتشبع بالإيمان برسالته ؟؟!!
مَن مِن المسؤولين استطاع نقل معنويات العرب والمسلمين من درجات سفلى إلى أعلى الدرجات بين أمم الأرض؟ ألم تروْا كيف هرع كل مسؤول للركوب على ما حققه وليد الركراكي والظهور بمظهر صاحب الإنجاز؟ ألا ترون كيف يتحدث البعض في وطننا وكأنهم هم من صنع انتصارات النخبة الوطنية “الركراكية”، ألا ترون كيف امتصت انتصارات الركراكي غضب الشعب المتراكم إزاء فاحشة الغلاء؟ أليس لوليد الركراكي الفضل في الدفع بنفسية ومعنويات المغاربة إلى الأمام بشكل غير مسبوق، حتى تحوّل النقاش العمومي من وضعية الإحباط التام إلى وضعية إمكانية الإقدام.
وليد، إلى الأمام فلا شيء مستحيل.