نـور24

” الموندياليتو” بلمسة مغربية .. في أحضان منبت الأحرار، مشرق الأنوار..

نهى الخطيب
المغرب … مَنبت الأحرار، مَشرق الأنوار، منتدى السُّؤدد وحماه… استطاع في وقت وجيز، لايزيد عن شهر ونصف، منذ أن أعلن المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، يوم 16 دجنبر 2022 ، عن إسناد تنظيم مسابقات كأس العالم للأندية ، أن يبرهن للعالم أنه قادر على احتضان تظاهرات كروية عالمية بعد التجارب الناجحة التي راكمها على الصعيد القاري . وها هو في هذه الأيام يصنع الحدث من جديد، وعلى أرضه هذه المرة بعدما صنعه على أرض قطر، الخير بجماهيره الأنيقة المتشبعة بالروح الرياضية، وقيم المحبة والتعايش والسلام ، التي حجّت حينها بكثافة من أجل مساندة أُسودها الأطلسية .
لا حديث في الشارع المغربي إلا عن “الموندياليتو” كما يحلو للمغاربة تسميته، وهو تصغير لكلمة “المونديال”، وعن المدينتين اللتين ستحتضنانه، وهما العاصمة “الرباط” وعروس الشمال “طنجة” الساحرة، والتنسيق الكبير، والتعاون المثمر بين اللجنة المنظِّمة والاتحاد المغربي لكرة القدم .
يلمس المتتبّع للشأن الكروي والزائرون الإستعدادات الاستثنائية، ودرجات الجاهزية في المطارات والفنادق ووسائل النقل والمرافق الرياضية والسياحية، لتسهيل إقامة وتنقُّل الجميع : من فرق وأطقمها الطبية والفنية والإدارية، وصحفيين ،ومشجعين ، وعيش تجربة كروية بلمسة مغربية فريدة من نوعها، عِلاوة عن الاستعدادات الأمنية، إذ وقف المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، “عبد الّلطيف الحمّوشي” ،رجل المهام الصعبة في بلادنا بنفسه، على بروتوكول الأمن والسلامة الذي وضعته المصالح الأمنية لمدينة طنجة، وزار الملعب الكبير، الذي احتضن  حفل الافتتاح وكذا المباراة الأولى برسم كأس العالم للأندية، وشدّد على ضرورة الأمن وشعور الناس بالسلامة، في محيط المركّب الرياضي، وعند ولوجه والخروج منه، وفي المدرّجات ، باعتبار الأمن والراحة شرطين أساسين لإنجاح أية تظاهرة .
وكما كان مُتوقَّعا، خطف حفل افتتاح كأس العالم للأندية ، بملعب إبن بطوطة بطنجة، الأضواء والأنظار من كل العالم، بتنظيمه الرّاقي والرّائع، وتقديمه فقرات وعروض ذات أبعاد ودلالات ثقافية وحضارية تقليدية رسمت تاريخ المغرب منذ قرون ، وأخرى عصرية عالمية، أبرزت مدى انفتاح المغاربة على العالم؛ وقد عبرت ” الفيفا “، عبر صفحاتها على مواقع التواصل الإجتماعي،عن انبهارها بالحفل الذي اعتبرته لائقا بمناسبة عالمية من هذا الحجم.
ومن أجمل ماعرفه هذا الحفل، استهلاله بتكريم شخصية طبعت على تاريخ وأدب الرّحلة بطابع من ذهب، إنه الرّحالة ابن عبدالله محمد الطنجي المعروف بابن بطّوطة ، والملقب بأمير الرّحالة العرب ، هذه الشخصشة وغيرها كثيرون في تاريخنا المشرّف، الذي زار 40 دولة، وجعل المغرب ينفتح ،منذ قرون خلت، على الشرق العربي ، وعلى آسيا والصين فضلا عن الأندلس ، وينقل عنا كما ينقل لنا أحوال هذه الشعوب وملوكها، وطبائع أهلها، وأنماط عيشهم، وطرق تفكيرهم، ومستوياتهم الإجتماعية والإقتصادية ؛وعلّمنا كيف أن للسّفر فوائد للروح والنفس، وله متعة ومغامرة لا تُضاهَى؛ لذلك تجد معظم المغاربة يستهويهم السفر، إنْ داخل حدود الوطن أو خارجه ؛ وكانت مفاجأة جد سارة لمن تابعوا الحفل في مدرجات الملعب، أو على الشاشات، حين اعتلى ” وليد الركراكي “، المدرب الوطني الشاب، الذي وحّد الجمهور العربي في قطر ، وجعله يفخر بالكرة العربية والمغربية والأفريقية، في ملحمة منقطعة النظير، فردّد معه الجمهور عبارته المشهورة ” سِيرْ.. سير.. سير “، عبارة جعلها كل مغربي حافزا له على السّير قدما لتحقيق مايراه مستحيلا بالعزيمة والإرادة والإصرار .
وردّد الجمهور، الذي تابع مباراة “الأهلي المصري” و ” أوكلاند سيتي “، هذه العبارة مشجّعا الأهلي وداعما له ورافعا معنوياته، فكانت النتيجة ثلاثة أهداف نظيفة لصالح الأهلي المصري، بعدها علّق أحد الصحفيين النيوزيلنديين على المباراة قائلا : لايمكن الصمود أمام فريق تشجعه عبارة “سير سير سير”.. إنّ لها مفعول سحري … !
هذا هو المغرب لمن لايعرفه، يجمع بين الأصالة والتاريخ والحضارة، وفن البروتوكول فيُبْهِر؛ دولة ملكيّة لها طقوس وثوابت في كل مجالات الحياة ورثناها أبا عن جدّ ، وخير دليل مراسيم استقبال جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، لأسود الأطلس ،وتوشيحهم في مهرجان شعبي مولوي دقيق التنظيم، يعجز الللسان عن وصفه..
إنه مغرب الأنوار الذي يصنع الرجال ولايسرقهم ليكسب الرهان . فيا أيتها العزّة الرّابضة على أكتاف وطني، برائحة الحبق والنّعناع والزّيتون والرّمّان، لا تترجّلي وأخبريهم أنّ تاريخ وطني وضيء العينين ؛أخبريهم أنّك عزة بألوان قوس قزح، وشموخ الأرز والصّفصاف على الرّيف والأطلس العزيز الفينان .
Exit mobile version