سعيد الشفاج*
من حسنات وباء كوفيد 19، أنه وضح الأمور و وضع النقاط على الحروف . فضح مشهدا كان في الأصل مفضوحا لدى المهتمين والمتخصصين . الأشياء عادة تصير برجلين ، لكن وزارة كوزارة التربية و التعليم تأكد بالملموس أنها تمشي برجل واحدة ؛ فهي وزارة مكبلة بقوانين لم تصمد مع أول ضربة للوباء . دعونا نقرأ المشهد قبل البداية، بمعنى مع القانون الإطار الذي أثار ضجة، ومس في العمق إحدى أهم الخصوصيات المغربية والقومية والدينية ،كذلك عندما قرر القانون جعل لغة تدريس العلوم باللغات الاجنبية وقدّم للفرنسية، المتهالكة الآن، خدمة مجانية مع دغدغة اللغة الأنجليزية “باش تبقى على خاطرها” ؛ وقد دعا القانون الإطار إلى ضرورة الانخراط في تكنووجيا التعليم عبر تقوية دور التعليم عن بُعد ، غير أن مثل هاته القرارات تخفي مخاطر كبيرة في المستقبل من حيث ضرب العلاقة الانسانية بين المربي والمتربي، و تخريب القدرات اللغوية بدعوى تعلم اللغات الاجنبية، لأن اللغة ليست هيكلا تواصليا فقط بل هي روح حضارة ،ومقوّم روحي، وبصمة جينية ضاربة في العمق ، و هذا ما أشار له الملك الحسن الثاني رحمه الله الذي دعا إلى تجنب النطق بالفرنسية، و حث على التمسك باللغة الأم وباللهجات المحلية، لأنها مكوِّن أصيل للمغاربة”الخطاب موجود باليوتوت”.

مع هذا الوباء، صدرت عدة بلاغات ومذكرات في محاولة لإتمام السنة الدراسية، وطالبت الوزارة ببقاء الجميع في بيوتهم خوفا من الإصابة. وإذا لمسنا حسن نوايا الوزارة، وخوفها على مكونات المدرسة من التعرض لمخاطر الفيروس الذي لم يفتك إلا بعدد قليل من المغاربة لحد الآن، بفضل السياسة الحكيمة لملك البلاد نصره الله، فإن وزارة التربية الوطنية أحدثت شرخا عميقا داخل شريكها التقليدي، ألا وهو التعليم الخصوصي . كيف ذلك؟ هذا النوع من التعليم، صمتت عليه الوزارة منذ سنوات طويلة، وبهذا كوّن هذا التعليم صورة مشوهة لدى المغاربة باعتباره قطاعا يستنزف الأسر المغربية ، غير أن هاته الأسر لم تجد بدا من تسجيل أبنائها في التعليم المؤدَّى عنه نظرا لاندحار منظومة التعليم العمومي . إذن كانت هناك خطة محكمة من جهات معينة للقضاء على المدرسة العمومية باعتبار الامتيازات الضخمة الممنوحة للخواص ، و أهم امتياز هو هزالة الأجور والتهرب من التصريح لدى صناديق التضامن، ونوعية العقود المضحكة ؛ كما أن هذا التعليم شد الآباء من اليد التي تؤلمهم؛ و نظرا لصمت الجميع على هاته المهزلة فقد توسعت امبراطورية التعليم الخصوصي و أصبحت التربية رديفة لاقتصاد السوق .و هنا تكمن خطورة الأمر.
لنعد لتداعيات الوباء ، إذا قرأنا قرار الوزير بإلغاء الامتحانات و الاكتفاء بالامتحان الإشهادي لمستوى الباكالوريا ، سنجد أنه كان كارثيا على التعليم الخصوصي ، وهذا كان مخططا له مع بدء الوباء سيما بعد ظهور الوزير أكثر من مرة و نفيه للاختبارات عن بعد؛ لقاء الوزير و بياناته رفقة شريكه في التعليم الخصوصي، في شخص الرابطة، كان بروتوكولياً و لا قيمة له، حيث كان على هذا التكتُّل أن يقف ضد قرارات الوزير ويناقشه على الأقل لثلاث اعتبارات :
أولا، أن القطاع الخصوصي ،بالنظر للخبرات التي راكمها و لقوة الموارد البشرية التي يمتلكها ،فإنه قادر على رفع تحدي الامتحانات خاصة الاشهادية؛
ثانيا، أن طبيعة هذا القطاع مشروط بميزة العرض و الطلب، و أن ما يتحصله مقابل خدماته يؤدي به مجموعة من الالتزامات والقروض و الضرائب …الخ.
ثالثا، كان بالإمكان الاستعانة بهذا الشريك لإتمام كل ترتيبات السنة الدراسية بحكم ما يمتلكه من إمكانات بشرية و مادية.
رابعا، عندما تعتبر قطاعا ما شريكا لك ، فهو شريك في الربح و الخسارة. لكن للأسف أن القطاع الخصوصي تحمل عبء الخسارة الفادحة و التي سيدفع ثمنها غاليا نهاية السنة الدراسية و بداية السنة القادمة . و الخاسر الأكبر في هاته المعادلة هي الأطر العاملة التي صمت عنها الجميع.
من جهة أخرى يعرف هذا القطاع تفاوتات كبيرة بين مؤسسات توجد في المدن الكبرى وأخرى في المدن الصغرى ،و بين مؤسسات قوية الاستقطاب و أخرى متوسطة و ضعيفة، و بين مؤسسات تابعة للبعثة ،و أخرى لديها ترخيص تدريس اللغات الاجنبيه الخ… هناك بوْن شاسع بين مؤسسة و أخرى، و هذا لم تضع له الوزارة أي اعتبار ,. لذا فلتجاوز الكارثة مستقبلا لأن القطاع الخصوصي يعتبر قطاعا استراتيجيا مهما من حيث امتصاص مشكل البطالة، فهناك خيار تغيير القانون الإطار المنظم للقطاع فورا و دون أي انتظار أو تسويف ، لكن كي ينجح هذا التغيير يجب أن توضع العناصر التالية في عمق الغربلة :
العنصر البشري _ الشق المتعلق بالأداء والرسوم وفق خصوصيات النوع_ التحفيز والتخفيف من الضرائب _إعادة النظر في التوزيع الجغرافي حيث أنك تجد اكتظاظا للمؤسسات في مساحة صغيرة_ إشراك الأساتذة في مراقبة الامتحانات مع اساتذة العمومي _ تكوين طاقم تفتيش تابع للخصوصي بكل منطقة ،يتم اختيارهم حسب الخبرات التي راكموها وفق امتحان وطني أوجهوي و يتكفل القطاع بأداء الأجور _احترام استغلال الوقت دون انهاك العنصر البشري_ إعطاء السلطة التامة للمدراء التربويين الخ …
لقد فسحت “كورونا” النقاش و فتحت هامشا واسعا للأسئلة المقلقة،و عرّت واقعا متوحشا يتحكم فيه الرأسمال المحلي و الدولي الذي لا يمتلك عواطف، و يستند على ترسانة قانونية تطحن فئات المجتمع الهش؛ و المغرب إن لم يستغل دروس الوباء فلن تقوم له قائمة بعدها و سنعوم في المجهول لسنوات طويلة أخرى ؛ كما أن الوباء أكد ميدانيا أنه لو ثقنا في قدراتنا فسوف نحقق الاستقلال الاقتصادي في السنوات القادمة، و نشجع روح الابتكار لدى الشباب، و نقضي على الريع، و نعمل بسرعة قياسية للقضاء على الفوارق في القطاعات الحيوية ، كما أن اهتمامنا بجمالية العمران في المدن و هندسة الفضاء ،سوف يجعلنا في مأمن من كل التحديات القادمة.
* سعيد الشفاج ناقد وروائي مغربي