رياضيةمقالات رأيوطنية

الحكامة الرياضية في المغرب: رؤية ملكية لتحويل كرة القدم إلى قوة ناعمة عالمية

د. نبيل بلعطار*

فازت الروح الوطنية، وفازت إرادة الشعب. لقد تحققت الرؤية الملكية السامية والحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده، من خلال وضع خارطة طريق واضحة الأهداف والمعالم، واستراتيجية مبنية على أسس فعالة لتطوير الرياضة الوطنية عامة، وكرة القدم خاصة، وجعلها آلية ثقافية واجتماعية واقتصادية لتعزيز الحوار وتلاقح الحضارات، وتحسين صورة المملكة وإبراز مكانتها على المستوى الدولي.

ودائمًا ما أؤكد في مقالاتي العلمية وتدويناتي التنويرية أنّ المغرب يتمتع بمسار تاريخي عريق وحمولة حضارية عميقة، وهو بلد متشبّع ببركة الشرفاء، وبالإيمان العميق بقدراته، وبقوة نسيجه الاجتماعي القائم على التضامن التلقائي. لذلك، أصبح من الضروري الارتقاء بالمستوى السياسي للنخب، من خلال تحسين التواصل، وتبنّي تسويق إيجابي، والمساهمة عبر برامج فعّالة، إضافة إلى تحديث صورة الإدارة التقليدية، واعتماد نموذج إداري عصري يقوم على الثقة المتبادلة بعيدًا عن التصنع، مع دعم الطبقة المتوسطة من أجل الحفاظ على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية.

لقد أعادت انتصارات المنتخب الوطني في بطولة كأس العالم لأقل من 20 سنة إشعال جذوة الروح الوطنية، ورسّخت التشبث بالهوية والاعتزاز بالانتماء للوطن. وقد شكّل خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش المجيد نواة أساسية للشباب المغربي للانتقال من المقاربة الاجتماعية الكلاسيكية إلى مقاربة مندمجة تقوم على مشاريع تواكب طموحات الجيل الجديد.

إن النتائج الإيجابية التي حققها المنتخب الوطني في هذه البطولة تمثل دروسًا عميقة يجب استيعابها، سواء من حيث طريقة تدبير المقابلات، أو الروح الوطنية العالية، أو الانضباط التكتيكي، أو التصريحات الراقية، أو العمل الجماعي، أو الانسجام بين الطاقم التقني واللاعبين والجمهور، فضلًا عن التغني بحب الملك والوطن.

كل هذا لم يكن ليتحقق لولا الرؤية المتبصرة لجلالة الملك حفظه الله، والتي أسست لدينامية رياضية متطورة قوامها العقلانية والاحترافية، من خلال إنشاء مجموعة من المراكز الرياضية المتخصصة، وفي مقدمتها أكاديمية محمد السادس لكرة القدم. هذه المؤسسة تُعنى باكتشاف المواهب الكروية، وتطوير قدراتها عبر وسائل لوجستيكية متقدمة، ومناهج تعليمية وتطبيقية حديثة يشرف عليها أطر وطنية كفؤة. كما تعمل على خلق التوازن بين الدراسة والتكوين الأكاديمي من جهة، وممارسة كرة القدم من جهة أخرى.

وإلى جانب ذلك، تم ترسيخ مفهوم الحكامة الرياضية كنموذج ذي أبعاد معرفية وتدبيرية وتقييمية، بهدف تحسين الأداء الرياضي وضمان معايير الجودة، وتحويل كرة القدم إلى صناعة ثقافية واجتماعية واقتصادية وتسويقية. ومن خلال هذا التحول، أصبح بالإمكان الانتقال من التدبير الجيد للمرافق الرياضية عبر الحكامة، إلى مرحلة القوة الناعمة كأداة فعّالة للنجاح، وآلية مؤثرة لترسيخ القيم الوطنية والثقافة المغربية، وتعزيز الترويج الرياضي والإنساني والسياحي.

كما يُعدّ هذا المسار دعوة مفتوحة لتشجيع الشباب على مزيد من التألق، والتدرّج في مسار الاحتراف، والتشبّث بميثاق أخلاقي يجمع بين الجدية والمواطنة الصادقة، بعيدًا عن الانحراف والعنف والشغب والهدر المدرسي. إن نجاح المنتخب الوطني يجب أن يكون نموذجًا يُحتذى به من طرف الجيل الجديد، في سياق تعزيز الدبلوماسية الرياضية والثقافية للمغرب كقوة ناعمة عبر العالم، وقدرته على الترويج للتطور الذي تعرفه المملكة الشريفة، خصوصًا في ظل استعدادها لخوض رهانات عربية وإفريقية وقارية متعددة.

*نبيل بلعطار دكتور في علم الاجتماع السياسي وباحث في العلوم القانونية و الهندسة الاجتماعية

Related Articles

One Comment

  1. سرد وصفي لنبض الوطنية الشعبية العريضة تجسيدا للقوة الناعمة المتبصرة لملك وشعب عبر محطات وضعت وشم الفخر على جبين كل المغاربة ،حفظ الله ملكنا الغالي وأطال الله في عمره ، شكرا للدكتور نبيل بلعطار على وضعه هذا المقال الوطني موثقا انتصارات اختلفت ألوانها وتوحدت في شعار ؛الله الوطن الملك

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button