مجتمعيةوطنية

العوامل الدافعة والجاذبة للهجرة العلنية-السرية (2/2)

 
عبدالإله الوزاني التهامي  
 العامل الديمغرافي:
 إن الانفجار السكاني الذي لا توازيه سياسة مُحكمة في الميدان الاقتصادي  والجتماعي، غالبا ما يؤدي إلى الإخلال بأسس التوازن في حياة الشعوب، وبالتالي يتم التفكير، تلقائيا وبإلحاح، في سد الثغرات الناتجة عن ذلك، عبر مصادر مختلفة (زراعة الكيف،التهريب، الدعارة،المهن العشوائية،الهجرة..)، من أجل أن يشبع الإنسان رغباته الطبيعية والحفاظ على وجوده وكينونته بين البشر.  
لهذا تجد من يؤمن بالفعل بأن “وطنا لا يؤمن لقمة العيش لمواطنيه، وطن لا يستحق إلا الهجران”(!)، و في ذات السياق  قال حكيم: “في أذن الجائع لا يسمع إلا صوت يبشر بالخبز”.
مشهدان من مدينة طنجة
العامل السياسي
نستحضر في هذا الإطارحكمة تقول: “في أذن المقموع لا يسمع إلا صوت يبشر بالحرية”. الظلم والاستبداد وغياب الديمقراطية وانتهاك حرمات وحقوق الإنسان، صور لمجتمع مُتَّسم بالاضطراب وعدم الاستقرار والسلبية.  فلا يأمن الإنسان في مثل هذا المجتمع لا على عرضه ولا على دينه ولا على عقله، الشيئ الذي يدفعه إلى البحث عن مكان آمن يحفظ فيه كيانه. 
العوامل الدينية و الثقافية
وجود فئة حاكمة أو متنفِّذة، عنصرية لا تؤمن بثقافة الحوار والتعايش، ومسكونة بهاجس الإقصاء، أو مصابة بنزعة استئصال الآخر، هي من أخطر ما يتعرض له الإنسان بفعل ما يحس به من مضايقات و مراقبة، ترغمه على الانزواء، ثم الابتعاد عن هذا الوسط (الوطن).
من العوامل المختلفة الأخرى، نجد عدم الاهتمام بالطاقات والمواهب المحلية الناشئة، وبالتالي عدم توظيفها في مناصب مناسبة لها، ويخلّف هذا الإقصاء، في نفسية الأطر والكوادر، الإحساس بالإهانة و الإذلال؛ إضافة إلى هذا هناك مضايقات مستمرة ومطاردات مستمرة، تطال الأطر و الأدمغة المبدعة والمبتكرة، كما هو الشأن في مغربنا منهم المهدي المنجرة، عالم المستقبليات، الذي اختار اليابان كمنفى اختياري له ولعلمه، والسياسي الساخر أحمد السنوسي الذي احتضنه الغرب بعدما ضاقت عليه مسارح وفضائيات المغرب، بما رحبت، والفنان المتألق رشيد غلام، وغيرهم كثير. 
هذه التصرفات لا تترك للمواطن المغربي سوى بابا وحيدا للأمل-بعد الله ـ و هو باب الهجرة إلى الخارج، حيث الكرامة و الحرية. و تستقبل الدول المضيفة النماذج التي ذكرنا “بصدر رحب و فرح كبير”، نظرا لإدراكها لوزنهم و لمستواهم. 
ويقابل العوامل المذكورة أسباب أخرى جاذبة تهم البلدان المضيفة/المستقبلة:
توفر فرص الشغل والكسب، والحصول على دخل أفضل وظروف أحسن، و الحق والحرية في تأسيس شركات أو المساهمة في أسهمها، وتوفر ما يشبع رغبات الإنسان الفردية والأسرية، ووجود أوضاع أفضل من حيث المناخ و السكن والتعليم والخدمات الاجتماعية (…)
الهجرة ما لها وما عليها(مساوئ الهجرة و محاسنها)
أ- مساوئ الهجرة: الهجرة تسبِّب استنزافا للطاقة و المال، ووَأْداً لعملية التنمية المعتمَدة أساسا على العامل البشري والنوعي، تخطيطا و إدارة و تنفيذا، وبكلمة واحدة، فإنها (الهجرة) تضيع من الأمة و الوطن فرصة الاستفادة من خبرة وطاقة أكبادها. 
هناك من يرى أن هجرة اليد العاملة زادت في تكريس واقع الدول الثالثية، وأحكمت تبعيتها للغرب، وأخضعت قبتها له. وهذا هو عين الاستعمار الجديد.  إذن فالهجرة عامل مهم في تكريس هيمنة النظام الرأسمالي على العالم. 
 من مساوئ الهجرة أن الأموال المحصَّل عليها من طرف المهاجر، لا يتم استثمارها على الوجه الأمثل في الموطن الأصلي للمهاجر، بل أكثر من ذلك ، غالبا ما يتم استقطابها من قبل الدول المضيفة بسببب التسهيلات المغرية في مجال الاستثمار.. وحسب أرقام منشورة، فإن عدد أبناء إقليم الناظور (فقط)، المتواجدين بالخارج كجالية مهاجرة، قُدِّر بأزيد من 300 ألف شخص.  ورغم ذلك، فإن مداخيل هؤلاء من العملة الصعبة لا تستثمر للإسهام في تنمية ورقي مدينة الناظور و ضواحيها، ولا تُوَظَّف في إنقاذ أبناء المنطقة من الضياع وتأهيلهم لخدمة بلدهم، و قس على هذا الجالية المهاجرة المنحدرة من كل مناطق المغرب. 
ب- إيجابية الهجرة إلى جانب التخفيف من ضعط البطالة في العالم الثالثي، فإن لها فوائد أخرى نعُدّ منها امتصاص الكثافة السكانية في أوساط الدول المختلفة، وكذا استثمار عائدات الفئة المهاجرة وتحويلاتهم في سد العجز في الميزان التجاري.  إلى جانب استفادتهم (المهاجرين) من  المستجدات و الابتكارات في ميادين الصناعة  والمقاولات، بما يتلقونه، بشكل عملي، من تدريب و تكوين في شتى الميادين. أما البلدان المستقبِلة فهي توظف اليد العاملة بأثمنة رخيصة في أغلب الأحيان، و تشغِّلها في أعمال شاقة لا يقوى عليها المواطن الأصلي، كالبناء و الفلاحة والصناعة والبنية التحتية…(…)
-الهجرة السرية بالمغرب
بغض النظر عن المصطلحات الشائعة إعلاميا حول الهجرة والمصطلحات اللصيقة بها، مثل “السرية” أو “غير الشرعية” أو “غير القانونية”، فإن كل هذه النعوت بمثابة وجوه كثيرة لعملة واحدة. وهذه الظاهرة، في الحالة المغربية، إما اختيارية أو اضطرارية(!؟)
الفارق الصارخ بين دول الشمال المتقدم و المتحرر، ودول الجنوب المتخلف و المقيّد، جعل الأجيال الصاعدة في دول الجنوب المتخلف و المقيد، جعل الأجيال في الدول الجنوبية تعيش حالات من الاستلاب المبرر بفعل صورة الإنسان الآخر، الصائل في نعيم الحضارة و التمدن؛ ويتعذّر دحض هذه الحالات من الاستلاب و الانجذاب، أو تجاوزها، ما دامت حالة أوضاع العالم الثالث (الفقير -المريض) لا تراوح مكانها.  إذن فما على الراغبين في نفض غبار التخلف إلا الارتماء في أحضان الآخر (الشمال) المتطور مهما كلفهم ذلك من ثمن(!)
لا يجادل أحد في أن البطالة، والمرض، والقمع، والرشوة، واحتكار مصادر ومواد الخيرات الوطنية، من قبل فئة محدودة معروفة، يُعد من أهم الدوافع الخطيرة التي تجعل من الهجرة فعلا اضطراريا لا اختياريا. أما إذا ما اعتبرناها ظاهرة اختيارية في حالات دول الجنوب و الدول المتوسطية، كالمغرب مثلا، فإننا حتما سنجانب الصواب لاعتبارات عدة أهمها أن الهجرة الاختيارية لا تكون عادة إلا في حالة اليسر والسعة، كهجرة الفئة الباذخة من دول الخليج نحو أوروبا وأمريكا، للاستقرار بهما بشكل دائم أو شبه دائم.
و يدخل في نفس الإطار في الحالة المغربية أفراد (لا جماعات) هم بالخصوص من طبقة مغربنا (الفرنكوفونية) التي راكمت منذ الاستقلال من الرصيد المالي والثروة ما لا يحلم سواد المواطنين ببصيص منه — اللهم لا حسد –. ولا يعقل أن يهاجر مواطن مغربي بالشكل الذي نسمع أو نرى من صور ومظاهر الخزي والعار والبؤس، وهو يتوفر في بلده على مأوى وعمل شريف وعيش كريم، وينعم بحرية تامة. 
فالنظرة السطحية لظاهرة الهجرة في الحالة المغربية، تظهر لنا بأنها اختيارية، في حين إذا ما استعرضنا جزءا من معاناة الشعب المغربي، يتضح لنا بأنها ظاهرة اضطرارية بامتياز. وحسب علمنا ومعلوماتنا الميدانية، فإن الأمر ازداد استفحالا في بعض النقط الساحلية إلى أن بدأت (هذه النقط) تنعت بالبلاد الخالية من الذكور، أي أنها بسبب هجرة الرجال الدائمة عبر القوارب، أصبحت فارغة من العنصر الذكوري (!)، و صرح أحد المستجوبين بوادي لاو، قائلا:”الهجرة بهذه القرى الساحلية شبيهة بالنزوح الجماعي”. فضلا عن الوافدين من كل بقاع المغرب بهدف الهجرة.
تطورت الهجرة في الحالة المغربية نتيجة تفاقم الأوضاع الداخلية، و نتيجة احتكاك الجيل الأول و الثاني من المغاربة المقيمين في الخارج، بأبناء بلدهم الأصلي أيام العطل وعبر وسائل التواصل، بما يحملونه من صور الحياة الأوروبية الساحرة لوجدان و شعور الإنسان المقهور، دون أن نغفل خطورة النمو غير المتكافئ بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وما له من انعكاسات سلبية على الدول السائرة في طريق النمو (و الأخرى السائرة في طريق التخلف).
_من مظاهر التخلف:
قررت في هذا الباب أن لا أفصل، لأن الإطالة في شرح الواضحات من… و بالتالي:
“اللِّي بْعَيْنُو ما يتلف”. مكتفين بما يلي:
تفشي ظاهرة الأمية، تزايد عدد العاطلين، انخفاض (انعدام) الخدمات الصحية، ضعف التغطية الاجتماعية، الانحراف والإجرام، البغاء و الدعارة، ضعف (غياب) البنية التحتية، بطالة مقنعة (ماسحو الأحذية، بائعو السجائر..) (…) .هذه النقطة (مظاهر التخلف) تحتاج لوحدها بحثا مستفيضا.
_على سبيل الختم:
يعترف بعض الفضلاء و الغيورين على هذا الوطن ، أن التهميش و التهشيم اللذان استهدفا منطقة الشمال المغربي لزمن طويل، كلف المغرب ضريبة غالية، باعتبار هذه المنطقة بوابة أفريقيا و بوابة أوربا، لا يمكن إطلاقا القفز عليها أو الاستغناء عنها، لأنه “على الجغرافيا يُصنع التاريخ”، تصوروا معي كيف سيكون حال المغرب لو استثمرت الأموال الطائلة التي”أهرقت” في… “الرمال”،  لو وظفت على ما يرام في تأسيس البنية التحتية لمناطق الشمال، حتما سيكون المغرب كله بخير. هذا فقط مثال، وأما الحالة فتنطبق على كل مناطق المغرب.
عفا الله عما سلف، لكن هل سنتخذ العبرة من الماضي بنتائجه الحالية و نتدارك الموقف، أم ستبقى صفة “المغرب غير النافع” سارية المفعول بطريقة متحورة. تحضرني مقولة للأستاذ ابن عزوز حكيم، قالها يوما في فضاء جمعية تطاونية مفادها أنه: لو تم تجهيز و دعم منطقة غمارة لوحدها في المجال الفلاحي لوَفَّرت تغطية كاملة لجميع مناطق الشمال فيما يخص المواد الغذائية الأساسية”. و هذه حقيقة لا ينكرها إلا حسود أو جهول.
لهذا يؤسفنا كثيرا لما تنعت طنجة و تطوان بالمنطلق الرئيسي للعبور نحو أوروبا من طرف الراغبين في الهجرة، القادمين من كل أنحاء المغرب، ومن دول أجنبية  (أفريقيا جنوب الصحراء). وحسب بعض المصادر ، نجد أن الشرطة القضائية بجهة طنجة تطوان ..، تمكنت من إيقاف 3232 شخصا سنة 2003، ضمنهم 258 أجنبيا (بتطوان)، أما طنجة فقد أوقفت مصالح الشرطة القضائية في نفس السنة 1587 ، من بينهم 536 أجنبيا يحملون 27 جنسية. 
وتطالعنا الصحف، يوميا، بأخبار الأعداد الهائلة من المهاجرين الذين يتخذون من طنجة وتطوان مستقرا لهم في انتظار الفوز “بتأشيرة العبور نحو الجنة الموعودة” أوربا. 
هكذا أصبت المنطقة محج الراغبين في الهجرة بدلا من أن تكون محج المستثمرين. 
و للتذكير، فإن العملية تتم عبر وسائل بحرية، كالقوارب بمختلف أنواعها، وتكون أيضا بوسائل النقل البري (شاحنات، حافلات، سيارات)، و يتم ذلك بوسائط وحيل متعددة كالوثائق المزورة.. أما الأطراف ذات اليد الطولي في “ازدهار هذه الظاهرة فهي عبارة عن شبكات متعددة الجنسيات و التخصصات”، رجال سلطة من الضفتين -مهربين -مروِّجُو مخدرات، – حسب معطيات سبق نشرها – تتوزع جنسياتهم بين دول أوربية وعربية وأفريقية، وأغلب المهاجربن يقصدون الدول المتوسطية كإسبانيا و إيطاليا  وفرنسا..
يتوقع المتتبعون والملاحظون أن يشكل ملف الهجرة منبع المشاكل المرتقبة بين المغرب وإسبانيا مستقبلا، أكد هذا الأستاذ محمد العربي المساري، قائلا إن “ملف الهجرة سيظل مطروحا بقوة بسبب تخبط المغرب في المشاكل.. إذ سيكون هذا الملف من أسباب التوتر بين البلدين في السنوات المقبلة مع تشديد الإجراءات الأمنية، ونهج الإسبان سياسة صارمة في هذا الملف”.
إن فعالية التشريعات و التدابير المتخذة من أجل القضاء أو الحد من هذه الظاهرة، أبانت عن عدم نجاعتها لأسباب واضحة، تتعلق بتفاقم أرقام البطالة (الحقيقية، لا الرسمية)، و الفقر المدقع التي تعانيه الشرائح المغربية العريضة، وكذا بما يعانيه الأفارقة من جوع ومرض واقتتال. 
وأوردت مصادر من لجنة العدل و التشريع وحقوق الإنسان، التي أشرفت على إعداد القانون <02-03> المتعلق بمحاربة ظاهرة الهجرة السرية، في تعليقها على المقتضيات الزجرية بخصوص هذا الملف، أن المتدخلين أجمعوا على أن الرقابة والحد من ظاهرة الهجرة السرية، لا يتم فقط عن طريق وضع النصوص القانونية، إنما بالإصلاح الجذري للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومحاربة الدوافع الكامنة وراءها؛ فالأمر لا يحتاج فقط تدخلا “نظريا” من طرف مديرية الهجرة و مراقبة الحدود ومرصد الهجرة أو غيرهما من مؤسسات رسمية وفير رسمية، إنما الأمر أكثر عمقا من ذلك، إذ يتطلب تغييرا جوهريا في سياسات الدولة العامة،خاصة اتجاه ظاهرة البطالة والتشغيل وتدبير الثروة، وإصلاح ما أفسدته الأيدي، والقطع مع سياسات الفساد التي عبثت بمصائر العباد  والبلاد منذ بزوغ شمس …الاستقلال.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button