«يا معاذ والله إني لأحبك»
إيمان مهدي
لا شيء يستفزني في هذا الغشاء؛ و لأكون أكثر صراحة سأعترف لكم بأنني أحببته جدا… لدرجة أني تمنيت لو كان والداي على قيد الحياة فأهديهما كل المجموعة. التي تحمل الواحدة منها عبارات تترجم المشاعر الجميلة التي طالما شعرت بها اتجاههما… حتى أنني تخيلت سعادة والداي وهما يقرآن ما كتب على الغشاء، ودمعة أبي المنسابة من عينيه، تفيض بفيض مشاعر الحب في قلبه، كونه رجه عاطفي للغاية، لم يكن يفوت فرصة للتعبير عن حبه لزوجته ولأبنائه و للناس من حوله.
لست من محبي هذا المنتوج، ولا أستسيغ مذاقه. حيث أني توقفت عن شراءه لنفسي منذ تذوقته أول مرة. لكنني اليوم أفكر جديا أن أشتري منه علبا، أقدمها عربون حب لصديقاتي، لزوجي، لإخوتي، لمساعدتي في البيت، للأطفال الذين أصادفهم في الطريق، للمتسولين عند إشارات المرور، للآباء المتخلى عنهم في دور العجزة… لابني الذي لا يتجاوز الثلاث سنوات و الذي لم يتعلم القراءة بعد، سأنقل له عبرها كم المشاعر التي تجتاحني و سأشرح له ما كتب على كل علبة أهديها له.
لم أستوعب بعد سبب هذا التهويل، و هذه الحملة المحمومة على هذا المنتوج، و لا أفهم هذه العدوانية الغير مبررة ضد أي تعبير عن المشاعر الجميلة، و هذا التناقض المرضي الذي يجتاح مجتمعنا المغربي بشكل غريب. حيث صار من المعيب أن يعبر الشخص أمام الناس عن حبه لصديقه، لزوجته، لإخوانه… لأبنائه ووالديه حتى. و لقد عرفت آباء يعملون جاهدين لإخفاء مشاعر الحب اتجاه أبنائهم، كما رأيت شبابا يخجلون من تقبيل والديهم أو التعبير لهما عن حبهم، بل إن بعضهم بعد أن يصل لسن معين يصبح من الصعب عليه أن ينادي والديه ب” بابا” و “ماما” و يستبدلهما بكلمات أكثر رسمية و أقل عاطفية ك” الوالد” و ” الوالدة” و أحيانا ” الحاج” و ” الحاجة” و قد يناديهما بأسمائهما حتى.
الأمر هنا لا علاقة له بالدين الاسلامي، فديننا دين المحبة و الرحمة و الحب، كما قال ابن حزم ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، والمحبة برأيه متعددة: فمنها محبة القرابة ومحبة الألفة ومحبة المصاحبة ومحبة البر ومحبة الطمع في جاه المحبوب ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه لستره ومحبة بلوغ اللذة ومحبة العشق وأفضلها محبة المتحابين في الله.
و رسولنا الكريم لم يخجل يوما من أي تعبير يراد به الحب، وقد أورد أهل الآثار وكتب الحديث تصريح النبي -صلى الله عليه وسلم- بحبه لعائشة وخديجة -رضي الله عنهما- أمام الناس، فلما سأل عمرو بن العاص النبيَّ مَن أحب الناس إليك؟ قال: “عائشة”، وقال لعائشة وهي تعاتبه في ذكره خديجة: “إني رُزقت حبها”. و أنه أخد معاذ من يده و صرح له عن حبه له قائلا ” يا معاذ و الله إني لأحبك” كما روي عن أَنس، أن رجلا كان عند النبي (ص)، فمر به رجل فقال: يا رسول اللَّهِ، إني لأحب هذا. فقال له النبي: أَأَعْلمتَهُ؟ قال: لا قال: أعلمه، فلحقه، فَقَالَ: إِني أحبك في اللَّه، فقالَ: أحبك الَّذِي أحببتني له.
لنكن صادقين مع أنفسنا، لقد ابتعدنا كثيرا عما جاءت به شريعتنا، وتدنت القيم الأخلاقية لمجتمعنا بشكل صادم و أصبحنا نسمع في الشارع من الصغار كما الكبار ما لا تطيقه آذاننا، ولا تستحمله مروءتنا، فضلا عن أن فضاءنا الإلكتروني، الذي يسبح فيه صغارنا صباح مساء أصبح عبارة عن مستنقع نثن، و بؤرة من بؤر الفساد و مع هذا لم أر حملة قوية تقام لتنظيف النت كالحملة التي تطال هذا المنتوج.
الأمر هنا يستدعي و قفة أمام أنفسنا و مراجعة لأفكارنا ومواقفنا لنفهم ما إذا كان الأمر بهذه الخطورة فعلا، أم أن التسويق و الإعلام يسوقنا كيفما شاء.