إعلاميةتربويةمجتمعيةوطنية

المعلم ليس إلها… و الكوميديا ليست عفنا

سعيد الشفاج

اثار سيتكوم رمضاني، تعرضه القناة الأولى، مشكلة قديمة حديثة في نفس الوقت، وهو توظيف شخصية معلم في كبسولة كوميدية، و قد استهجن رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأسلوب الذي تم تناول هاته الشخصية التي تعتبر ذات قيمة وحمولة فكرية و ثقافية و تربوية و المعلم لا شك في أنه يحتل رمزيا قيمة اجتماعية عند كل الشعوب و ليس في المغرب فقط .

للإشارة الكوميديا او الملهاة هي فن قديم قدم البشر .قعد له اليونانيون مع ارستوفانيس و كان الهدف منه الترفيه و احداث الشعور بالسعادة و الارتياح النفسي و تمرير رسائل مضمرة او واضحة للمشاهد و قد انبنت فنيا على ذكر مساويء المجتمع من اجل اصلاحها او الإشارة إليها .و هي تقدم شكلا كاريكاتوريا عن الشخصيات . و المعروف تاريخيا ان الكوميديا لم يسلم منها حتى مشاهير السياسة و الفكر و الثقافة و الرموز العالمية سواء على شكل مسرحيات او عروض تلفزية او عروض فردية .و مازلنا نتذكر النكت التي كانت منتشرة كمغاربة و كنا نتداولها في جلساتنا خلسة و بصوت خفيض مخافة السلطة التي كانت تترصد المعارضين حتى في الاوساط الاجتماعية الشعبية .

فيما يخص السيتكوم الرمضاني الاخير و الذي يجسد شخصية معلم في وسط قروي يعيش مع امه، فإن الوصف الدقيق للشخصية كان باهتا، حيث من السهل تغيير شخصية معلم الى شخصية أخرى .ان الكوميديا تنتقد الشخصية كيفما كان وضعها الاجتماعي، لكن يجب أن تلتزم بوضع تلك الشخصية في اطارها الوظيفي ،،، حيث ظهر الممثل و كأنه بعيد كلية عن شخصية المعلم .فلو أن الكتابة الفنية التزمت بالنقد البناء للشخصية في واقعها و منحتها الدور الوظيفي داخل النص الكوميدي لما أثارت إشكالية ما . نحن كمشاهدين لسنا ضد التناول الساخر لشخصية المعلم او الوزير او اي كان، لكن الخطاب الفني بدا ضعيفا و ركيكا .و اكتشفنا كمشاهدين الهوة بين المعلم في الواقع و المعلم في السلسلة . ان ما يميز بعض الكبسولات الساخرة هو التسرع في الكتابة الكوميدية و عدم ضبط الملامح الخاصة بالشخصية، مما يجعل المشاهد يحكم عليها اخلاقيا و هو على صواب لأنها فنيا ضعيفة .

السخرية هي فن يتضمن رسالة ما و ليست وسيلة ترفيه و اضحاك فقط . لذا ليس المعلم بعيدا عن النقد، لكنه لا يجب ان نجعله مادة للسخرية بل على الكبسولة أن تتضمن بعدا قيميا .

ان الضربات التي تعرض لها المعلم في السنوات الأخيرة تثير اكثر من سؤال، فهل المسألة تعود الى التفكك الرمزي لهاته الوظيفة ام ان هذا المعلم تخلى عن دوره التربوي كما كان من قبل و اصبح موظفا ينتظر الراتب كل شهر و يخرج لاي سبب في احتجاجات و يبحث بشغف عن الساعات الإضافية في المؤسسات الخصوصية او في مراكز الدعم . او ان هناك جهات تعمل على افراغ محتوى المعلم من المضمون الحقيقي للتنمية و التطور؟ هاته الاشكالات لا تناقش بتاتا في السيتكومات بنقد بناء و لو عن طريق الملهاة . في مصر مثلا تم تشخيص عشرات المهن بسخرية و كنا كمتفرجين نضحك و لكن تبقى المكانة الاجتماعية فوق كل اعتبار .فلا سخرية عادل امام من المحامي في “الافوكاتو” هدمت قيمة المحاماة و هو الذي شخص عشرات المهن في افلامه و مسرحياته بل وصل الامر ان شخص دور الرئيس في مسرحية الزعيم . لكن ما الذي جعل عادل امام ممثلا ناجحا كسر كل الارقام؟ السبب هو التناول الفني و الرسالة المضمنة في أعماله .الفنان الكبير محمد صبحي شخٌص ادوارا و اصحاب مهن و لم تنزل عليه سياط المشاهدين كي تجلده، و السبب الاداء المبهر لهذا الفنان . بالمغرب لدينا أمثلة عديدة كمصطفى الدسوكين و محمد الجم و بسطاوي رحمه الله و نور الدين بكر و قبلهم جيل الرواد و نجوم مسرح الحي في “شرح ملح” و “العقل و السبورة” و “حسي مسي”..

خلاصة القول عندما نرسم الشخصية الكوميدية بحرفية و نضعها في سياقها العام و ياتي دور الفنان في التقمص الجيد هاته الشخصية , و نضمن رسالة و قيمة داخل النص، حينها ستصبح الملهاة فنا ناضجا و ليست تهريجا..

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button