مامبا سوداء…

صدر للروائي السوداني أسامة رقيعة ، رواية جديدة بعنوان “مامبا سوداء“، عن دار فضاءات للنشر والتوزيع .
عنوان هذه الرواية مكتظ بالإحالات، فهو يثير في ذهن القارئ تساؤلات حول الدلالة الفنية والتيمية لهذه “المامبا السوداء” (وهي أطول الأفاعي الأفريقية، وأسرعها وأكثرها فتكا)، من جهة أن حضورها في العنوان يستدعي إلى مخيلة القارئ صورا ومشاهد لأحداث وتفاصيل مرعبة ، وهو ما يمثل أفق توقّعه التخييلي على غرار القول أن بعض بني البشر، قد يكونون أكثر فتكا وشراسة, بل أكثر الكائنات توحشا، بما يحملونه في ذواتهم من قدرة على إذاية الآخر ورغبة في جعله يتألّم.فالرغبة بالسيطرة ، وسلب الآخرين أموالهم وحياتهم دون شفقة، صفة قد ينفرد بها بعض البشر ويختص بها عن بقية الكائنات.
تدور أحداث الرواية في عالمين مختلفين, هما عالمنا نحن البشر، وعالم الجن الموازي الذي يكاد يتطابق مع عالمنا بقوانينه وشرائعه التي تحكم سكانه، ويختلف بما فيه من غرائب وطاقات وقدرات فائقة، وسحر وشيطانية، وبولوج فرد من الجن إلى عالم البشر تبدأ اللعبة.
في القصر الفخم، قصر زوجها مقصود ، وفي غرفتها الخاصة ، وبين روائح العطور، وتصاعد دخان البخور، تبدو “ملعوبة” من خلال الأضواء الخافتة ، كزهرة أقحوان لا تقاوَم , تتهيأ للقاء “جايكا” الذي يتحَرَّقُ بشغف مجنون لرؤيتها، يتسلل إلى غرفتها من اللامكان، ليغرق معها في طقوس المجون.
مقصود ، بطل الرواية الرجل الثري، صاحب الأملاك، وابن الأسرة الخيِّرة ذات السمعة النظيفة، منذ أن التقى بملعوبة، التي ستصبح زوجته لاحقا ، لم يجرب أو يحاول مقاومة غنجها ودلالها وسحر أنوثتها ، فهو ، ودونما إدراكٍ منه وجد نفسه فريسة بين أنيابها. هذه الأخيرة التي كانت قد عقدت اتفاقا مع “جايكا” القادم من العالم الموازي، عالم الجن، وبما لديه من قدرات سحرية خارقة، للإيقاع بمقصود.
بعد أن تمكنت منه أبعدته عن أسرته، وشيئا فشيئا سيطرت على أعماله وأملاكه، وباتت هي المتحكمة بحياته ومصيره, بينما هو غائب عن الواقع، يتناول الطعام دون توقف، ليزداد ترهلا بجسده وعقله. إلا أن السحر سيزول عن مقصود، في يوم من الأيام عندما سيغيب “جايكا” وينقطع عن “ملعوبة” ؛ وستتكشف لمقصود كل الألاعيب الشيطانية التي كانت قد حاكتها له، وسيتبع ذلك أحداث هي غاية في الإثارة والتشويق.
في هذا الصدد، كتب الناقد التونسي الدكتور عبد الدائم السلامي، عن رواية “مامبا سوداء”؛ وقال: ” لقد أجادَ الكاتبُ أسامة رقيعة إدارةَ أحداثها عبر ما تخيّر لها من أبطالٍ بقدرما يختلفون في الأفعال يأتلفون في الأحوال، فإذا الواحدُ منهم مغموسٌ في توتُّرِه النفسيِّ، ومشدودٌ إلى حبلِ قلقِه ومرارةِ عُزلتِه، يَرِقُّ حينًا إلى حدِّ الغباءِ (الزوج “مقصود” والأستاذة “سامية“) ويَقْسُو حينا آخر قسوةَ المَكْرِ (الزوجة “ملعوبة” ورجل الأعمال “آران” والجنيّ البحريّ “جايكا“). هي حكايةٌ تصنعُ واقعًا متخيَّلاً يوازي واقعَ الناسِ ويعكس منه ما يُخْفونَه عن أنفسهم أو ما يَخافونه عليها من وقائعِ أيّامهم، وفيها حرصٌ على تفكيكِ الأنظمةِ الاجتماعيةِ والقِيَميّةِ الحاكمة لمعيش هؤلاء، ونَقْدٌ جريءٌ لسُلطانِها عليهم.



