بيئة وعلومجهاتصحةقضايا وحوادث

أنقذوا أصيلة.. إنها تختنق بفعل الحرائق!

روبورتاج

هناء مهدي
نور24
الهدوء يخيم على المدينة الصغيرة إلا من زقزقة عصافير لم تغادر بعد أعشاشها.. أصوات تنبعث هنا وهناك مكسرة جدار الصمت في المدينة. تصادفك الوجوه في الشوارع الرئيسة والأسواق مستنفرة ، ترتسم على قسماتها أمارات الضيق والانزعاج من رائحة تزكم الأنف وتخنق الصدر.. رائحة لا تحصرها الأقنعة الطبية التي تكسو الوجوه في هذه المرحلة العصيبة من جائحة الوباء الكوروني المستجد، لتُضاف مصيبة على أخرى.. وكم تحتاج أجسادنا اليوم  لمناعة أقوى وصحة أجود.. والكل في مضمار حرب ضد جائحة تحصد الأرواح .. بينما في مدينة أصيلة بالذات، تدمر حرائق النفايات المنبعثة كل مساء، ما جاهد الناس، منذ شهور، على اكتسابه تقويةً للمناعة.. لتحرق مطارح الأزبال المحترقة ماتبقّى في الصدور من نفس.. ولا عاصم من هذه الرائحة المزعجة وقد اخترقت جدران المنازل.. فصار الواحد أينما حل لا يتنفس إلا ثاني “أوكسيد الكربون” بنكهة المزابل.
أنقذوا المدينة.. أنقذونا..
نحن نختنق!
نداءات وعرائض وشعارات تنادي بإغلاق مطرح النفايات العشوائي بمدخل المدينة ، الذي يسبب احتراقه اختناقا للمرضى والأصحاء على حد سواء؛ صراخ الساكنة يتعالى احتجاجا، وأنين المرضى يضج..  بينما تغلق السلطات آذانها وأبصارها حتى لاتسمع ولاترى حجم معاناة أبناء المدينة وهم يصرخون بملء الفاه: “أنقذونا” “نحن نختنق”!.
في شارع الحسن الثاني.. ترتصف مقاهي ومطاعم الأسماك خالية من الزبائن، وفي المدينة القديمة لا أثر للساكنة إلا بعض المارة هنا وهناك يستحثون الخطى نحو بيوتهم فرارا من الرائحة العفنة التي يعبق دخانها في كل مكان.
دخلنا سوق أحفير المتاخم لباب الحومر، وجدناه خاليا إلا من ثلة زبائن يشترون مايدخل في حكم الضرورة القصوى. والكل يخرج كفه ليسد أنفه المكممة أصلا والتي لم تتحمل _رغم القناع الصحي_ قوة نتانة رائحة ذكا ريحها في كل مكان.
  استوقفنا شابا يخرج من صيدلية باب الحومر، يحمل كيس دواء ويستحث الخطى نحو بيته مستعجلا: “سمحو لي أنا مزروب بزاف”..
نريد سؤالا واحدا فقط.. لن نأخرك..
” أرجوكم أنا مزروب” أمي تختنق..” يجب أن ألحقها ببخاخ وأقراص “كورتيزون” ، هي مصابة بالربو ولم تتحمل هذا الدخان النتن المنبعث في كل مكان”.
في ساحة “الباراضا”، لا يختلف الحال عن باقي المدينة، مقاهي تكاد تكون فارغة، وجوه مكممة تقرأ رغم القناع _من عينيها العابستين وخطوط جبينها_ النفور والاشمئزاز،  وأخرى لا ترتدي أي قناع ؛ تضع كفها على الأنف قرفا من حدة كراهة الرائحة.
رائحة دخان النفايات قوية للغاية.. تعبر كل الحواجز  والحيطان..
سألنا أحدهم ماذا يفعل في المقهى في هذا الجو المخنوق، قهقه ساخرا وأجابنا بلا تردد: رائحة دخان النفايات قوية للغاية.. تعبر كل الحواجز  والحيطان.. عبر الثقوب الصغيرة جدا التي لانراها ، تقتحم بيتك المغلق بالحديد والمفتاح. تُغير عليك وتخنقك.. لاسبيل لك لمواجهتها.. فإما استسلام كما حالي، أو فرار بجلدك منها إلى مدينة مجاورة”.
يتحدث أهل المدينة عن عريضة تم توقيعها من طرف أزيد من ألف شخص من ساكنة أصيلة،  تطالب بالإغلاق الفوري لمطرح النفايات العشوائي الموجود في المدخل الجنوبي للمدينة، تم تقديمها لكل من يعنيهم الأمر ..
مصطفى سهمي، منسق لجنة العريضة يقول:”بسبب خطورة استمرار اكتساح دخان مطرح النفايات العشوائي لأغلب أحياء المدينة، انطلقت زوال يوم الإثنين 17 غشت 2020، الحملة الاحتجاجية الأولى، من خلال جمع توقيعات السكان على عريضة تتضمن مطلبين: الأول، الإغلاق الفوري والعاجل للمطرح؛ والثاني، إيفاد لجنة تحقيق مستقلة لمعرفة المقصرين في هذا الملف. و كذلك تحديد نوعية النفايات التي تحرق بالمطرح هل هي صناعية أم منزلية أم ماذا؟ مع احتفاظ السكان بحقهم في اللجوء إلى القضاء لجبر الضرر الكبير الذي أصابهم”.
كثافة سحاب الدخان بالمدينة، باتت حديث الكبير والصغير لما تسببه من خسائر على جميع الأصعدة، وخصوصا على الجانب الصحي للسكان، والذي بات يدق ناقوس الخطر.  كما يؤكد الفاعل الجمعوي، يوسف ابن رحمون أن مشكلة النفايات “هي من الأولويات التي يجب معالجتها عاجلا، نظرا لكثافة الدخان الناتجة عن حرقها والتي غطت المجال الجوي للمدينة والنواحي بسحب من مواد سامة، تتسبب في الاختناق الجماعي . مضيفا أن “غلق النوافد لم يعد ذي جدوى،  وأن الضرر اليوم أصبح يشمل الجميع خاصة الأطفال وكبار السن، بعد أن كان من قبل يشمل المصابين بالربو والضيقة دون غيرهم”.
السكان يطالبون بالإغلاق الفوري للمطرح العشوائي وبلجنة تحقيق مستقلة
لاحديث لأهل المدينة إلا عن الضرورة الملحة لإغلاق مطرح النفايات، حيث يترجم مصطفى سهمي حجم الاستنكار الشعبي قائلا: “هناك إجماع تام على ضرورة إغلاق هذا المطرح الذي كان من المقرر إغلاقه وتحويل نفاياته قبل حوالي 6 أشهر بعد خمس سنوات من المطالب والاحتجاجات، كانت أقواها احتجاجات سنة 2018. لكن التأخير في هذا الملف المستعجل والخطير لم يكن مفهوما، وعلى كل، فقد تم جمع ما يناهز 1040 توقيع للساكنة يطالبون باتخاذ إجراء عاجل”.
 مجموعة من شباب المدينة التقيناهم، ترجموا جميعا حجم انزعاجهم من قذارة رائحة الدخان هذه، بل أعربوا عن استعدادهم للخروج للشارع للاحتجاج والتظاهر، لكنهم بسبب الظرفية الراهنة التي اجتاحت العالم بفعل تفشي كوفيد_19،  يعولون على مبادرة جمع التوقيعات كأسلوب احتجاج سلمي قانوني، تبليغا للسلطات المعنية بحجم المعاناة والسخط، ومطالبتها بالإغلاق الفوري والعاجل لمطرح النفايات العشوائي بمدخل المدينة.
في بلاغ ل”جمعية زيليس لحماية البيئة” بأصيلة، عبرت الجمعية عن استنكارها الشديد من هذه الحرائق والروائح المنبعثة. جاء فيه: ” لأول مرة لم تعد الأضرار  منحصرة في الأحياء القريبة من المطرح، بل استفحلت وانتشرت لتصل إلى كافة المدينة، وهو مؤشر يدل على أن وضعية المطرح وصلت إلى مستويات جد حرجة”.
يؤكد محمد حسني رئيس “جمعية زيليس لحماية البيئة” قائلا أن:” خطورة المطرح العشوائي تزداد.. وانها وصلت إلى مستويات جد حرجة.. تنبعث الأدخنة بكثافة والمدينة باتت تعيش حالة كارثية غير مسبوقة “.
 قذارة الرائحة ودرجة تأثيرها السلبي على صحة السكان، تطرح العديد من علامات الاستفهام حول نوعية النفايات محل الحرق. يترجم منسق لجان  العريضة، مصطفى سهمي، حجم التخوف السائد :” نخشى أن تكون النفايات موضوع الحرق هي نفايات صناعية صلبة، مما يعني أنها تنتج دخانا شديد السمية قد يتسبب في أمراض خطيرة مثل السرطان مع مرور الزمن، كما قد يتسبب في تلويث جميع المراعي والأشجار التي يطالها هذا الدخان”. 
جمعيات المجتمع المدني بأصيلة، وكل الهيئات المهتمة بالمدينة تدق ناقوس الخطر، وتطالب المسؤولين بالتدخل العاجل، وإيلاء معضلة المطرح العشوائي العناية والأهمية اللازمين.  كما تؤكد على ضرورة فتح تحقيق في الموضوع لمعرفة أسباب استفحال وضعية المطرح العشوائي، وإطلاع الرأي العام عن نتائج التحقيق.
جماعة أصيلة ..ترجع فرضية اندلاع تلك الحرائق للعوامل الطبيعية !
في رد للسلطات المحلية بتاريخ 25 غشت 2020 على مراسلة المنسق العام للمنتدى المتوسطي للشباب، ياسين ايصبويا، طالب فيها بالحصول على معلومات عن أسباب نشوب وتصاعد الأدخنة من مطرح النفايات، والتدابير التي اتخذت في الموضوع، أفادت الجماعة المحلية لأصيلة، أنها لم تسبق أن قامت بأية عملية حرق للنفايات بالمطرح المذكور. كما لم يسبق لها أن ضبطت أي شخص يقوم بإشعال الحرائق هناك.  وترجع الجماعة فرضية اندلاع تلك الحرائق للعوامل الطبيعية الناتجة عن تكدس الأزبال وانبعاث بعض الغازات الطبيعية، التي تشتعل لمجرد تعرضها لدرجة حررة معينة وتنتقل بفعل هبوب الرياح، كما لاتستبعد الجماعة ان يكون الفعل ناجما عن تدخل بشري متهور ولامسؤول”. وتضيف الجماعة أنها  “قامت بعمليات طمر النفايات بالأتربة، بتعاون مع بعض المقاولات الموجودة، كما قامت بفتح ممرات ومساحات فارغة لتفادي تكدس النفايات اليومية وطمرها تدريجيا”.
 يعقب مصطفى سهمي على “رد” الجماعة قائلا: “استنتاجنا من رد البلدية رسخ لدينا قناعة بضرورة إيفاد لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات، لأن الجماعة تؤكد أنها ليست على علم بأسباب اندلاع الحرائق في المطرح: هل هي بفعل فاعل أم مجرد احتراق طبيعي!”.
في نفس السياق، يؤكد الفاعل الجمعوي ابن رحمون أنه: “من خلال تواصلنا مع السلطات المحلية لاحظنا أنها مهتمة بهذا الموضوع وتقوم بمجهودات عملية من أجل الإسراع في تنفيذ قرارات الإغلاق لمطرح النفايات”. بينما _ يضيف ابن رحمون_ “تقوم الجهات المنتخبة بعمليات غريبة تنم عن جهل و انعدام المسؤولية في تدبير الملفات. حيث “ينتهج نواب وأعضاء المجلس الجماعي ماينتهجه رئيسهم في الجمع بين المنتدى  المتوسطي والمجلس من أجل تمرير الصفقات والمشاريع المتعلقة بنزع الملكية والبناء”. 
 الحملة الشعبية، حسب منسق العريضة، “مازالت مستمرة، ولن تتوقف إلى أن يتم إغلاق المطرح نهائيا” . فقد عيل صبر ساكنة المدينة بعد خمس سنوات وأكثر من المعاناة والاحتجاج .. هذه المرة أجمعوا على عدم الاستسلام، لن يكفوا عن الصراخ حتى يسمع دوي الصرخات، حتى يستيقظ النائمون،  حتى يكف الأذى عن الضعفاء، حتى تعود الأمور إلى جادة الصواب!.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button