جهاتقضايا وحوادثوطنية

“غمارة” بين مطرقة الاختلالات البنيوية وسندان “فيروس كورونا” ..فهل من أمل في تنمية بديلة؟!

 

مشهد من منطقة غمارة الجبلية الجميلة

 

عبد الإله الوزاني التهامي

بعد سلسلة طويلة جدا من المحن و الإحن التي مرت على الغماريين في عالمهم الغماري المترامي المساحة، والممتد تاريخه إلى العصور الغابرة ، تمر المنطقة بظرفية جد حساسة جراء تداعيات انتشار وفاء كورونا  ،وما فرض على المنطقة، مثلها مثل باقي الأحواز ،من حجر وقايةً من الإصابة بالعدوى، ثم ما ما ابتليت به قبيل التساقطات الأخيرة من انحباس للغيث لمدة طويلة من الأعوام ،وما أُصيبت به من كساد مستخلص “الكيف”/ الحشيش ، تأتي هذه الظرفية الحرجة جدا كتتويج لسنوات عجاف على كل المستويات خاضت لجاجها غمارة دون سند ، بحيث عانت المنطقة من ظروف لا تقل خطورة من ما تعيشه الآن على كل المستويات ، و ما الانتشار السريع لظاهرة الانتحار في كل ربوعها إلا الدليل الأقرب إلى الأفهام ، لتأتي الظرفية الحالية القاسية جدا لتتوج تلك السنوات العجاف تتويجا مثخنا بنياشين الذل و التهميش .

هل تجوع حقا غمارة بعدما كانت مصدر تزويد ما جاورها بكل الخيرات التي تنبت أرضها الطيبة المباركة ؟ هل تجوع غمارة، التي رفرف علمها عاليا لقرون في مجال العلم و الجهاد و غيره من المجالات ؟ هل تجوع غمارة التي منها صدرت “البلايير” والأموال الطائلة المستخلصة من النبتة السحرية و وزعت عبر كل ربوع المغرب ، بل و بفضل “بلاييرها” زُودت قطاعات ،و شُيدت أوراش ضخمة، واغتنى مسؤولون كانوا ينتعلون أحذية رثة ويلبسون المرقعات البالية ولا يمتطون سوى “حوافرهم” شبه العارية؟؟؟

غمارة ، لا ينبغي بأي وجه كان أن تجوع، لأنها في البدء و المنتهى منطقة بريئة ؛ منطقة انتهكت حرمتها ببذر نبتة سحرية لا يجني عائداتها في المرتبة الأولى سوى “صاحب السطوة و السلطة” ، في حين هي لا تجني سوى التعب و التهم و المتابعات و السجون ؛ غمارة لم تجع قط إلا في ظرف فرض عليها حصار من طرف خصوم الحرية و الانعتاق .

لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يرفع المركز يده عن منطقة غمارة و هي تمر بأحلك الظروف ؛ بظروف اقتصادية و اجتماعية غاية في القسوة و الخطورة قد تضاعف من الانتشار المهول لظواهر سلبية مدمرة لكل ما فوقها من إنس و دواب و بيئة و عمران .

لماذا نتعامل مع غمارة كبقرة حلوب مُدِرة للحليب الوافر الفياض نفعه على أصحاب الحال ، نتعامل معها فقط في حال السلب و الجلب و القطف و الاستغلال ، و لا نهتم البتة بحالها لما تكون كما هي كائنة على الدوام في حالة الضيق و العوز و الهشاشة  ، ألهذا الحد بلغت مشاعر أصحاب الحال في تعاطيهم مع الشأن العام و الخاص لأهالي غمارة الأشاوس الأصلاء ؟ ألهذا الحد من الإهمال و اللآمبالاة، بلغ بأصحاب الحال في نظرهم اتجاه هذه المنطقة العظيمة من الوطن المغربي ؟؟؟

هل تجوع غمارة ؟ ، سؤال تجيب عنه أعين الأطفال في المنطقة الذين لا ذنب لهم فيما يحدث و فيما حدث و فيما قد يحدث من وقائع و أحداث و مواقف ؛ سؤال قد يتفنن في الجواب عنه كل مسؤول مر من المنطقة أو يجثم حاليا على منصب في مؤسساتها الرسمية و غير الرسمية القليلة ، نظرا لمعرفته العميقة بسر تخلف و تحضر المنطقة ، و نظرا لمعرفته الدقيقة بمؤهلاتها و بخصوصياتها .

صحيح أنه ليس باستطاعة أحد تغطية شمس غمارة الساطعة على كل المستويات ، الساطعة في جانبها المظلم المثخن ب”البلايير” المنهوبة من تربتها على يد من كانت لهم اليد الطولى على شؤونها ، و الساطعة في جانبها المنير بعلو شأنها على المستوى العلمي و الجهادي ، حتما لا أحد باستطاعته نكران “جميل” غمارة التي جعلت من الحفاة الرعاة ،الوافدين عليها من كل فج جائع و جانح، قياصرة و أباطرة و أسيادا .

أتجوع غمارة بسبب حصار “كورونا” ،و آثار انحباس الغيث عن تربتها ،وبسبب الحصار الجائر المضروب عليها ، الحصار متعدد الأوجه و الزوايا و الأركان ؟ أم تجوع لغضب رباني لا يستثني ممن فيها سفيها كان أو صالحا ، غضب يعم و يسود و لا يُبقي أثرا و لا ديارا بسبب البعد عن الله ، البعد العلماني الممنهج المفروض فوقيا على أهاليها بكل السبل ؟؟؟

ما الذي جنته غمارة طوال عقود من بذر النبتة السحرية في تربتها ؟ أليس الذي يجني باليد النافذة الطويلة أضخم و أسرع جنيا من الفلاح الذي لا يستطيع حتى سداد ديون العام المتراكمة عليه ؟ أليس أكبر دليل على أن غمارة لا تجني سوى الفقر  و المتابعات مما تبذره في تربتها ، هو ما تعيشه الآن من أزمة خانقة و فقر مدقع ، بحيث لو كان أهاليها يستفيدون حقيقة من عائدات البذرة المحظورة و المرخص لها في آن ، لقطعوا الظرفية التي يتخبطون فيها حاليا ،بأمان و بكل طمأنينة ، و لتغلبوا على الظروف المعيشية القاسية التي يعانونها بكل سهولة .

إن غمارة تعاني في صمت ، و صوت صمتها له دوي يسمعه العالم كما يسمعه أهل العاصمة الرباط على نفس الدرجة ، لكنها لا تستجدي أحدا و لا تطلب دعما و لا سندا ، لأنها تطبعت مع التكيف مع أشد الظروف و أحلكها عبر العصور . وقد صدق من قال أنه لو دعمت غمارة، فلاحيا وصناعيا، لوفرت الاكتفاء الذاتي الغذائي والصناعي لشمال المغرب ولأجزاء واسعة من الوطن ، لكن من في قلبه مرض لا يريدها سوى منطقة “محاصَرة” و”محظورة” و مستثناة حتى لا تقوم لها قائمة مدى الدهر، وحتى لا يستعيد المواطن فيها كرامته وحريته وعدالته المستحقة، والأجدر  إن تعذرت الإرادة لدى المسؤولين في إعطاء حقوق غمارة الشاملة، أن يرفعوا أيديهم عن ساكنتها ،لأنهم قادرون على صنع المستحيل ،وعلى بناء منطقتهم أفضل بناء على نهج أسلافهم الأبطال الأشاوس.

فليشهد كل حي أن غمارة قد أغنت من هذا العالم كل من “صافحها أو لامسها أو عاشرها أو سكنها ” ، أو على الأقل مر بها أو صادف “سلعتها” في أي بقعة من العالم . فليشهد العالم أن غمارة قد أغنت من أتوها منتعلين “التشانكلا” و ممتطين الأقدام ، و قد أغنت من كانوا أسافل القوم و أراذلهم . فليشهد العالم أن إسم غمارة قد ردد في كل المحافل العلمية العالمية لقرون من الزمن ، فهل يليق بها أن تجوع على أيدي “قوم” كانت هي السبب في انتشالهم من الفاقة و الجوع ؟

غمارة لن تجوع ، و إذا جاعت جاع كل من جوَعها و كل من همَّشها و كل من هشَّمها . غمارة لن تجوع و لو جاع كل ما حولها من “ربوع و دروع” .

غمارة لا تخشى كورونا ولا الذين “يمكرون”.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button