فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي قاسم
نور24
تدعيما للجهود الوطنية المبذولة من أجل الوقاية والاحتراز من فيروس كورونا ؛ وحرصا من فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي قاسم على استمرار أنشطته الثقافية والعلمية، الهادفة إلى صيانة وحفظ الذاكرة التاريخية الوطنية والمحلية؛ وفي ظل تعليق الأنشطة الثقافية الحضورية بجل القطاعات الثقافية بالمغرب، كان للفضاء قصب السبق في مجال التنشيط الثقافي ـ عن بُعد ـ تماشيا مع استراتيجيته ودوره البارز في محيطه السوسيوثقافي الذي يهدف الى حفظ وصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية المحلية، وتفاعلاتها مع ذاكرة الشعوب الصديقة، والشقيقة بغية نشر قيم المواطنة والوطنية الحقة في المجتمع.
في هذا السياق، انكب الفضاء على تنظيم برنامج “قضايا تاريخية”،ضم سلسلة من المحاضرات والمداخلات العلمية، عن بُعد، اسبوعيا، لنخبة من الأكاديميين المشارقة والمغاربة. وشارك ،في برنامج شهر ماي، باحثون من المغرب والمشرق ؛ وكان الافتتاح بمحاضرة للمؤرخ المصري الدكتور إسماعيل حامد علي، أستاذ بجامعة القاهرة في موضوع” العلاقات الروحية بين المغرب ومصر في العصر الوسيط”، سلط خلالها الضوء على مسار العلاقات التي طبعت البلدين من خلال تواجد مجموعة من المقومات المشتركة، سواء الجغرافية، لكونهما ينتميان للقارة الأفريقية، كما تجمعهما الصحراء الكبرى التي كانت عامل وصل بين شعوب أفريقيا عامة ،والمغرب ومصر على وجه الخصوص،والهجرات التي تمثلت في نزوح السكان من المغرب في اتجاه مصر أو العكس على فترات تاريخية معينة، بما فيها قدوم الفاتحين من مصر إلى المغرب؛ ونشر الإسلام والمذهب المالكي سواء في المغرب أو مصر ؛وكذا الهجرة الهلالية في اتجاه المغرب؛ والعلاقات التجارية في اطار القوافل التجارية؛ ورحلة الحج ،حيث كان الحجاج المغاربة يأتون الى مصر لمرافقة ركب الحجاج المصري في اتجاه الحرمين الشريفين؛ كما أن جامعة الأزهر وجامعة القروين جسدتا العلاقات الفكرية بين البلدين، فكان لطلاب العلم المغاربة رواق في الأزهر هو رواق المغاربة، دون ان ننسى تبادل السفراء بين دولة بني مرين ودولة المماليك،ومن الرحالة المغاربة الذي نزلوا بمصر، يذكر الأستاذ المحاضر الرحالة ابن بطوطة والحسن الوزان؛ إلى جانب قدوم كبار المتصوفة المغاربة واستقرارهم في مصر، ودورهم في انتشار التصوف والعلوم الدينية بمصر ،وعلى رأسهم الحسن الشاذلي، المغربي المولد والنشأة، الذي كان له مريدون كثر بمصر،والمرسي أبو العباس بالإسكندرية وهو متصوف من اصول مغاربية . ويعد هذان من ابرز المتصوفة والعلماء المغاربة الذين أثروا في الحياة الدينية والثقافية والعلمية في مصر. ولم يكن ذلك ليكون ،حسب المحاضر، لولا مجموعة من الخاصيات المشتركة بين البلدين، منها الدين والمذهب والجغرافيا ،وقال ان أهم هذه الخاصيات الصحراء الكبرى .
المحاضرة الثانية للباحث الأكاديمي زين العابدين زريوح ، كانت بعنوان:” دور الوثيقة في حفظ الذاكرة التاريخية الوطنية ـ معركة وادي المخازن نموذجا”؛ تناول فيها الدكتور زين العابدين ذاكرة ووثائق معركة وادي المخازن المجيدة في تاريخ المغرب، وتطرق في البداية إلى مفهوم الذاكرة بنوعها الجمعي والتاريخي، وعلاقتها بالوثيقة، وأهميتها في حفظ الذاكرة الوطنية انطلاقا من هذا الحدث التاريخي المهم، خصوصا مع خفوت ذاكرة المعركة وغياب بقايا مادية عنها.وفي هذا الصدد يوضح الباحث أنه عند مطالعة مختلف الوثائق التي تطرقت لمعركة وادي المخازن، سنقف أمام إشكالية أخرى ألا وهي تعارض ذاكرتين متضاربتين: ذاكرة المنتصر، وهو ما تمثله الوثائق المغربية، وذاكرة المنهزم وهو ما تمثله الوثائق الأوروبية، لاسيما البرتغالية منها رغم الحياد الإيجابي لبعض المصادر والوثائق.
ركزت المصادر المغربية على رواية أحداث المعركة، بطريقة أدبية وسردية، بعيدة نسبيا عن الجوهر والمضمون، انطلاقا من الالتزام بالإجماع العام، وإعلاء مجد الدولة، وإخفاء كل الجوانب التي يمكن أن تمس بهذه الصورة، في مقابل تشويه صورة الجيش المهاجم، والتضخيم من تعداده ضمن قالب الصراع الإسلامي المسيحي الذي كان سائدا في البحر المتوسط.، في حين حاولت المصادر البرتغالية، التي دوّنت حينها للحدث، تفادي التطرق له على اعتبار انه مأساة أصابت الإمبراطورية، بينما نجد أن بعض الوثائق الأجنبية، التي كانت ضمن الأرشيف الأوروبي، تزخر بالعديد من المعطيات حول المعركة، خصوصا التي دوّنت على يد الجواسيس والدبلوماسيين والتجار وغيرهم؛ رغم أن جزءا منها لم يخل من تحيز لصف الدول المسيحية، وتزوير بعض الحقائق. وتظل أهم وثيقة هي رسالة الطبيب اليهودي ، المرافق للسلطان عبد الملك المعتصم التي يروي فيها بدقة عددا من حيثيات الحدث؛ فيما تضمن الأرشيف العثماني كذلك وثائق أخرى حول المعركة ،منها ما يحكي وجهة النظر العثمانية، لاسيما فيما يتعلق بالمشاركة العسكرية فيها.واستنتج الباحث في الأخير انه يجب إعطاء مكانة كبيرة للوثيقة التاريخية، وتسهيل ولوج الباحثين اليها، وتحقيق المزيد من الانفتاح على الأرشيفات ،الخاصة والأجنبية، التي تضم وثائق ومعطيات غاية في الأهمية ،خدمة لذاكرة معركة وادي المخازن، والذاكرة الوطنية جمعاء.
وفي اطار تخليد اهم الذكريات الوطنية ،كان لمتتبعي صفحة الفضاء على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، موعدا مع مداخلة علمية للأستاذ منير كلخة،سلط فيها الضوء على “ملامح من ثقافة المقاومة للشريف محمد أمزيان”، بمناسبة الذكرى 108 لاستشهاده، والتي لازالت الذاكرة الشعبية، لقبيلة قلعية ومنطقة الريف ككل، تحتفظ بها.
كما لم يفت أُطر الفضاء التفاعل مع القضايا الراهنة بتنظيم محاضرة علمية حول موضوع” علاقة المغاربة بالمستعمر الفرنسي زمن الأوبئة”، والتي قدمتها الدكتورة ابتسام تملاين، تناولت فيها علاقة المغاربة بالمستعمر الفرنسي في زمن الجوائح والمسغبات، وكيف استغل المستعمر تلك الفترات العصيبة على المجتمع المغربي لممارسة ضغوطاته الاستعمارية وبسط نفوذه، ورد فعل المغاربة اتجاه التدابير التي اتخذتها السلطات الاستعمارية زمن الجائحة….
تجدر الإشارة إلى أن فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي قاسم، ما زال يبث حلقات من سلسلة قضايا تاريخية عن بُعد، بشكل اسبوعي، طيلة فترة الحجر الصحي إلى حين رفعه ،والعودة إلى الأنشطة الثقافية الحضورية بمقر الفضاء بمدينة سيدي قاسم.