نبتة الكيف هل “تعز” من تشاء أو “تذل” من تشاء؟!
عبدالإله التهامي الوزاني
بداية لا عيب في الاقتباس والاجتهاد ، تنزيلا لمصطلحات جذابة على مواضيع يرجى أن تكون أكثر جاذبية وتأثيرا وترجمة للمضامين، كما هو الشأن في استثمارنا لكلمتي “تعز” و”تذل” في سياق مناسب، تقريبا للأفهام وفتحا للمغلق وتوسعا في فضاء المفهوم .
أهذه النبتة السحرية ، فعلا تعز من تشاء وتذل من تشاء؟! و كيف ذلك؟ إن كان الجواب بالإيجاب أو السلب سواء. الكيف أو القنب الهندي، أو ما يصطلح عليه بالنبتة الذهبية ، أو البترول الأخضر ، أو غيرها من الأسماء التي تطلق على مسمى واحد، المتشخص في مادة تنبت من الأرض ، لكنها تتميز على كل نظيراتها من النباتات كونها “نبتة سحرية” خارقة للعادة، خاصة بعد إخضاعها لتغييرات جوهرية في شكلها و طعمها ورائحتها ، عند استكمالها للشهور المعدودة بعد البذر.
هكذا تماما ، تتحول حياة المتاجرين في منتوجها النهائي ، من حالة ضعف قصوى ، إلى حالة غنى باذخ فاحش ، والمتاجرون ليسوا فقط من يحملها على ضهره نحو البحر أونحو القصر الصغير أو نحو المراسي في البحار ، لكن المقصود بالمتاجرين ، كل من يتعاطى عمليات ترويج المحصول من الحشيش ، سواء كان مسؤولا في جهاز إداري أو أمني ما ، أو كان على رأس الإقليم أو الولاية أو الوزارة أونائبا برلمانيا ، أو وسيطا و سمسارا ، أوحارسا مرابطا على الثغور الشاطئية ، أوقائدا أو رئيس دائرة ، أو مقدما أو شيخا ، و تلك هي أدنى حلقة من حلقات المتاجرين في الحشيش و المستفيدين الأوائل من عائداته المالية الضخمة، هنا بالطبع لم ولن نعمم ، لأننا نعلم بشكل مرئي و مشاهد ، أن في وطننا مسؤولون نزهاء يتصفون بالنقاء و الصفاء وتطبيق القانون و بالبعد عن الشبهات .
لكن و في الضفة الأخرى ، نرى رأي العين ، مظاهر مأساوية تنخر كل مجالات الحياة ، في قرى و مداشر و مراكز غمارة ، غمارة هذه القبيلة التي تضاهي مساحتها حسب ما يقال في المثل ، مساحة “دولة قطر” ، ظلت لقرون من الزمن معلمة شامخة في العلم و الأدب والأخلاق و السلوك و الجهاد ، حتى أصبحت مضربا للأمثال في كل دول العالمين العربي والإسلامي ، هي الآن بفعل النبتة “الخبيثة” متهمة و مطاردة و متعسف عليها و مقصية ومهمشة ، و غير مدرجة في جدول اهتمامات المركز الدولتي ، لا لشيئ إلا لأن الذين رخصوا و دعموا زراعة القنب الهندي بالأرض المباركة لغمارة ، فعلوا ذلك بشكل مقصود و مدبر ، كمكيدة لتمرير مخططهم الجهنمي ، القاضي بضرب الأسس العميقة التي انبنت عليها حضارة غمارة العامرة ، منذ أمد بعيد على الصعيد العلمي و الكفاحي و غيرهما .
لا نشك على الإطلاق بأن مسألة السماح لأهالي غمارة بزراعة الكيف ، المادة الممنوعة المسموح بها في آن ، هو أمر خطط له بليل و بعناية ، لتظل غمارة أبد الآبدين متهمة و مطاردة ، و في نفس الوقت ليستفيد من عائدات الكيف كل مسؤول بلا استثناء ، استفادة مادية كبيرة ، و كذلك للدولة فائدة أخرى تتلخص في تخليها نهائيا عن تدبير شؤون ساكنة غمارة ، و من ذلك عدم تمكينهم من المرافق و المؤسسات الضرورية و عدم حمل هم أبناء غمارة بتشغيلهم و تأطيرهم و إدماجهم في أعلى هرم الدولة .
لا فرق بين غمارة و الشريط الإسباني الأوروبي المقابل لها ، إلا في طريقة استثمار الثروات و طريقة تدبير شان الساكنة ، أي أن الفرق يتلخص في الإنسان ، هناك إنسان يعمل ضميره لصالح وطنه و مواطنيه ، و هنا في غمارة و غيرها إنسان لا يجيد سوى قضاء مصاله و العبث بمصالح المواطنين و خيانة الوطن .
بدون مبالغة و كما يعلم العالم ، فإن أقواما رفعتهم الكيف رفعا إلى أن بلغوا عنان السماء من تضخم الثراء و فحشه ، منهم من لازال “مرابطا” في بلده الأصلي المغرب ، متدثرا بعضهم بمظاهر مجال المال و الأعمال و السياسة و غيرها ، و منهم من طغت عليهم ألوان الحشيش طغيانا واضحا ، يركبون ما لا يركبع قادة دول عظمى و يقطنون فيما لا يقطنه وزراء دول أوروبا ، و منهم من هاجر إلى بلاد أوروبا و غيرها ليصبح من الأباطرة الكبار العالميين ، و ينخرط في الشبكات الدولية المتخصصة في الاتجار الدولي في المخدرات بانواعها ، و منهم من غير إسمه ليصول و يجول في وطنه المغرب بإسم مستعار حتى لا تلاحقه أصابع الأمن الداخلي و لا الأنتربول ، غنى فاحش لا يرى سقفه الأعلى، وعلى مستويات أخرى في المجتمع نلحظ الفقر المدقع الذي لا تحتاج مظاهره للوصف، وخاصة في القرى و المداشر و التخوم المسحوقة العالقين في أعالي و سفح الجبال، وفي هوامش و أطراف المدن ممن هجروا ترابهم بحثا عن ظروف عيش كريمة فسقطوا في الفقر المضاعف بسبب عدم قدرة المدينة على الاستجابة لمطالبهم و مبتغياتهم ، نظرا لقصر اليد .
عن قصد لم نرد التطرق لعينة جديدة من المتاجرين بنبتة الكيف ، أقصد السياسويين الذين يروجون لخطاب ، أقل ما يمكن أن يوصف به أنه سخيف ، و غير واقعي و غير علمي و لا منطقي ، و لا تربطه بالنبتة و لا بالمنطقة أهاليها أي رابط ، المنطقة ذات التاريخ الحافل بالملاحم الجهادية ، وبسجلات علمائها و رموزها ، و بتنوع تراثها ، و بتميز موقعها الاستراتيجي المطل على الضفة الأخرى من أوروبا ، كل هذه الخصوصيات ضربها الانتهازيون عرض الحائط ، ولم يظهر لهم من مقترحات سوى ما “تقيأته” ضمائرهم ، فعلا قد يبرر ما ذهبت إليه خواطر السياسويين الفاشلين ، المولعين بالركوب على معاناة المستضعفين ، و الممارسين لهواية الصيد في “دخان” الجوان والسبسي ، إصراررهم على الحصول على أعلى محصول انتخابوي لا غير .
غمارة المغبونة ، منطقة كبرى ، أريد لها أن تظل كما نرى، دائما متهمة ، و تارة مسجونة وتارة مطاردة ، في صورة أكبر مؤامرة حيكت ضد الإنسانية في العالم ، و من لم تعجبه قراءتي فليأتيني بدليله ، آتيه بألف دليل ، يثبت تورط المركز في مخطط ضرب تاريخ وحضارة و ماضي و حاضر و مستقبل غمارة ، ما رأيهم : هل “أعزت” نبتة الكيف من تشاء و”أذلت” من تشاء ، منذ أن أعطيت الأوامر السامية لبذرها في غمارة و كتامة ، أم لا ؟؟