تربويةثقافيةمجتمعية

كن ذا أثر جميل

 نبيلة علوشا -اسبانيا 

إن أكثر الأشياء قيمة، هي أكثرها عطاءا، فقيمة الشجرة الحقيفية فيما تعطيه من الثمر، وقيمة الغيم، في المطر الذي ينفع، وكذلك قيمة الإنسان، في عطائه، كل حسب جهده وطاقته .
لذا فإن الحديث عن الانفاق، و العطاء، والصدقة، يبدو سهلا من الناحية التنظيرية، ولن يكون له صدى بليغا إذا لم تكن له مواقف عملية، ولعل من أروعها: نموذج تداول لسنوات طوال، ومايزال لأنه موقف جاء في وقته الصحيح، وترك اثرا رائعا في كسب قلب الإبن، يجعلنا نطرح سؤالا مهما : أيهما أنفع، هل التربية بالقدوة والنموذج أبلغ ؟أم التربية بالنصيحة، والكلام أجمل ؟وكيف يمكن أن نكون ذا هيبة واحترام إذا لم نظهر أخلاقنا امام الأبناء

                                                     ****

يقول شارلي شابلن، أشهر كوميديّ في تاريخ السّينما: عندما كنتُ صغيراً، ذهبتُ برفقة أبي لمشاهدة عرضٍ في السّيرك، وقفنا في صفّ طويل لقطع التذاكر، وكان أمامنا عائلة مكوّنة من ستة أولاد والأم والأب، وكان الفقر بادياً عليهم، ملابسهم قديمة لكنها نظيفة، وكان الأولاد فرحين جداً وهم يتحدّثون عن السيرك، وبعد أن جاء دورهم، تقدّم الأبُ إلى شبّاك التذاكر، وسأل عن سعر البطاقة، فلما أخبره عامل شبّاك التذاكر عن سعرها، تلعثم الأب، وأخذ يهمس لزوجته، وعلامات الإحراج بادية على وجهه!

فرأيتُ أبي قد أخرج من جيبه عشرين دولاراً، ورماها على الأرض، ثم انحنى والتقتها، ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطتْ نقودك! نظر الرّجلُ إلى أبي، وقال له والدموع في عينيه: شكراً يا سيّدي! وبعد أن دخلوا، سحبني أبي من يدي، وتراجعنا من الطابور، لأنه لم يكن يملك غير العشرين دولار التي أعطاها للرجل! ومنذ ذلك اليوم وأنا فخورٌ بأبي، كان ذلك الموقف أجمل عرضٍ شاهدته في حياتي، أجمل بكثير حتى من عرض السيرك الذي لم أشاهده!

في موقف مماثل كهذا ،جميل أن نذخل الفرحة، والبهجة الى نفوس أطفال فقراء، فلطالما انتتظروا حلمهم بالذهاب إلى السيرك، وهو منتهى أملهم، لكن قلة المال كادت أن تقضي على إشراقتهم البريئة .
ماذا يضر الإنسان، إذا كان واقفا في طابور مكتبة لبيع الكتب المدرسية ويرى أبا لا يملك المبلغ كاملا لكتب ابنائه، و تدفع عنه المبلغ المتبقي إن كان بإمكانك ! كيف ستكون فرحته وفرحتك وفرحة ابنك إن كان معك وهو ينسخ موقفك هذا نسخا،لن يزول من ذاكرته، مادام فيه عرق ينبض .
ماذا يضرك لو وجدت طفلا، يحلم أن يذخل مكان الترفيه للأطفال، ومنحته فرصة لتحقيق حلمه البسيط، و المحدود ! .
ماذا يضرك، لو حرمت يوما ابنك من لعبة، واشتريتها لطفل اخر، وشرحت له ذلك ! ،أليسوا أطفالا مثل أبنائنا ! أليسوا اطفالا لا ذنب لهم إلا لأنهم فقراء !
إذا تعودنا أن نحسن ، ونضحي، ونتصدق، كنا قدوة لأبنائنا،فنحن بذلك نعمل على تحسين صورتنا في نفوسهم،و نحقق الأثر المطلوب فيهم، فإنهم سيتأثرون بنا، وسيلتزمون نصائحنا، وسنكون محل قدوة لديهم اذا نظروا الينا بإجلال واحترام، و نربح أجورا تقينا من اقذار مؤلمة، في الدنيا قبل الآخرة .
أما إذا كانت صورتكم مشوهة في نفوسهم، فلن تزدادوا منهم بنصائحكم إلا بعداً..فكيف سيقول الابن كلاما جميلا، إذا تعود سماع الكلام الساقط؟.

إن طفلكم يراقبكم باستمرار، فهو يتشرب طريقة تعاملكم مع الحياة، ويراقب سلوككم عند الغضب، ودرجة صدقكم، وأمانتكم، و كرمكم، و أخلاقكم.

لا تنس، إن استوعبت قصة الكوميدي الشهير أن تضيف رقيا في عطائك: أن تنسحب حين تعطي، حتى لا ترى أثر الخجل باديا على وجهه .

Related Articles

One Comment

  1. جزاك الله خيرا على هذا المقال الهادف والمحفز للرقي بمستوى أخلاقنا مع جميع شرائح المجتمع وزرع الفرحة والبهجة ورسم الإبتسامة على الكثير من الوجوه ولو بابسط الأمور, فلنكن قدوة حسنة لابناءنا بافعالنا واقوالنا.
    دائما متميزة في الانتقاء.
    دمت ودام عطائك🌹

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button