
لا أدري لِم أسموه “العالم الأزرق”. ظُلمة وعَتمة..ظلماتٌ بعضها فوق بعض: انتحارات بالجملة، جرائم قتل واختطاف، حروب و دمار. حتى أرقام الوفيات أُعِدَّت لها نشرات خاصة؛ يرصدها الإعلاميون كما لو كانوا يرصدون تغيرات العُملة. و من سلم من سموم الصندوق الأسود، سيقع عاجلا أو آجلا في براثين “الكتاب الأزرق”..

أضحى “الفيسبوك” اليوم بمثابة “الكتاب المقدس” لدى كثيرين. يتصفحونه في كل وقت وحين.. يتجرعون السوداوية و الشُّؤم والتشاؤم. يحتسون فيه كؤوس اليأس والعبثية. وكم هي مريرة تلك الكؤوس. مرّة بطعم الزقّوم و ساخنة حدّ الحميم ، حتى صاروا كالمومياء بيننا..أجساد بلا أرواح..كالقوالب الفارغة إنْ مُلئت إحباطا تنضح بما فيها.. سمٌّ زعاف أدخل أحبَّةً لنا في غيبوبة الاكتئاب، فأضحوا يتلذذون المعاناة، ومنتهى أمانيهم الموت.. اليوم قبل الغد. يسرعون إلى حتفهم بأيديهم إسراعا، ثم يلقون بأجسادهم الهزيلة من أعلى مرتفعات الفشل.. فعن أي زرقة يحْكُون..؟
يبقى “الفيسبوك” سطحا للجميع وإن تعدَّدت واختلفت استعمالاته. بين الهروب من الواقع والسقوط الحر، فئة وجدت فيه المكان الأكثر إشراقا لنشر غسيلها على شتى ألوانه. فسماء العالم الافتراضي دوْماً زرقاء لا تغطيها غيوم الواقعي. تمطر “لايْكَات” على مدار الساعة. تزيد الغسيل المنشور بهاءً حتى و لو كان مجرد قطعة قماش مهترئة.
ويأبى الجميع رفع رأسه نحو السماء والعودة إلى رب السماء. ذلك السقف الأزرق الذي يفوق مدّ البصر و يتجاوز قدرة العقل. ينشرح بالنظر إليه الصدر الضيق انشراحا. فيحلِّق عاليا..حرا..يتسابق مع الطير معانقاً الحرية..
ويأبى الجميع رفْع رأسه نحو السماء و العودة إلى رب السماء..
و يأبى البعض إلا كُفورَا.