جهاتسياسيةقضايا وحوادثمجتمعية

الفاعل الحزبي السياسي المحلي بإقليم شفشاون وسبل التأهيل (6/4)

 

3 ـ بين “إنتاج” النخب والكفاءات و”احتضان” الطيور المهاجرة:

صهيب مهدي

بالموازاة مع النقاش العام لمواكبة الديناميات الجديدة التي يشهدها التنظيم الترابي اللامركزي للمغرب ، القائم على الجهوية، فإن النقاش الخاص بالمشروع الترابي على مستوى مستجداته الدستورية ومتعلقاتها، لم يوازيه نقاش عميق وحقيقي على مستوى تدابيره الإجرائية، القانونية والتقنية، التي لم تُجِب على العديد من الإشكاليات المرتبطة بإنتاج النخب القادرة على تدبير هذا الورش الترابي الكبير المرتبط بتأهيل هياكل الدولة ومؤسساتها، كنمط الاقتراع، والتقسيم الترابي والانتخابي، ومحاربة الترحال الحزبي… باستثناء النقاش السطحي والظرفي الذي صاحب قضية القاسم الانتخابي، الذي اعتمد المشرِّع خلالها على  نمطين مختلفين:

ـ الأول يتعلق بانتخابات المجالس الجماعية وفق توزع المقاعد بين اللوائح، بواسطة قاسم انتخابي يستخرج عن طريق قسمة عدد المصوتين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المراد شغلها، وتُوزَّع المقاعد الباقية حسب قاعدة أكبر البقايا، بتخصيصها للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور…

ـ الثاني يتعلقب انتخاب مجلس النواب وفق توزع المقاعد على اللوائح بواسطة قاسم انتخابي، يُستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها؛ وتوزع المقاعد الباقية حسب قاعدة أكبر البقايا، بتخصيصها للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور…

سطحية هذا النقاش المفتعل من طرف البعض لدواعي انتخابية صرفة، يؤكده موقف المحكمة الدستورية التي لم تجد في ذلك ما يخالف الدستور، ونَأَت بنفسها عن التدخل في اختيارات المشرِّع، وعدم التدخل في تقييد السلطة التقديرية للمشرع في شأن اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرضها، أو المفاضلة بين اختيارات تشريعية ممكنة، أو اقتراح بديل تشريعي من شأنه أن يحقق الغايات الدستورية نفسها، طالما أن ذلك لا يمس بأحكام الدستور، هذه السلطة التقديرية لم تعالج ، للأسف، عمق النظام الانتخابي ودوره في فرز النخب…

لما كانت أدوار النخب المحلية لها مكانة مركزية في تصريف النموذج التنموي الجديد، فلا يمكن إغفال مساهمتهما النوعية في التنمية حسب الأدبيات السياسية، خصوصا بعد أن أصبح للرأسمال البشري، وبالخصوص التدبيري، في عالم اليوم، له قيمته المضافة في تحفيز الإنتاجية، وإيجاد المناخ المناسب ، وتنزيل مختلف أوراش الإصلاحية، وتصريف القواعد المتعلقة بالحكامة الجيدة، وضمان تحقُّق أخلاقية المرفق العمومي…، لهذا فإن هذه الإشكالات المرتبطة بإنتاج النخب السياسية المحلية، لها كذلك مكانة مركزية في إنتاج النموذج الترابي المنشود؛ وهذه النخب التمثيلية والتدبيرية في نفس الوقت، هي الساهرة على تصريف النموذج الترابي والنموذج التنموي واقعا معاشا.

إن متعلقات المستجدات الدستورية التي باشرتها الحكومة منذ السنوات التي تلت دستور 2011  ، على مستوى إرساء معالم المشروع الترابي، وإن كان لها وقْع وأثر على الجماعات الترابية، فتأثيرها على مستوى انتاج نخب هذا الورش، ظل محدودا؛ فمن خلال التجربة المعاشة خلال هذه الدورة الانتدابية (2015/2021)، ومن خلال البحث البسيط،يتأكد بسهولة هذه المحدودية على مستوى تدبير هذه النخب لمجالاتها الترابية، تحقيقا للأهداف المطروحة على مستوى كسب رهان التنمية، والإجابة على المعضلات الاجتماعية وتحقّق العدالة المجالية، حيث لا نجد أي أثر كبير، ميدانيا، على هذه المستويات في تجاوز العديد من القضايا ذات الصلة التي كانت مطروحة في تجربة “الميثاق الجماعي”.

إذا كان  المستوى التشريعي والتنظيمي قد حقَّق،على الأقل، دينامية داعمة للممارسة التدبيرية الترابية المحلية، وقدم بعض الإجابات الواضحة من قبيل مبادئ التدبير الحر، التفريع، الرقابة…، وساهم في تحرير كثير من عقال المركزية والوصايا وتمثلاتها السلبية، وفتح المجال المحلي لتعبئة إمكاناته للانتقال من مرحلة التبعية وانتظار التدخل من السلطات المركزية وممثليها المحليين، إلى التدبير الحر المتسلحة بترسانة دستورية وقانونية داعمة للتدبير الحر التشاركي والتعاقدي المنفتح على رهانات الديمقراطية المحلية التشاركية، فإنها لم تستطع تحرير الطاقات المحلية الشبابية المتعلمة، التي تزخر بها مناطق المغرب العميق، بالقدر الكافي، لإحداث دينامية دوران النخب السياسية المحلية اللازمة لمواكبة المستجدات الراهنة على مستوى المشروع الترابي، وبالقدر الكافي لإدماجها في الحياة السياسية المحلية.

إن المؤشرات الأولية محليا بإقليم شفشاون ، التي تشير الى أن اكثر من نصف عدد المنتخبين الجماعيين تجاوزوا سن الشباب ولا يملكون مستوى تعليمي يتجاوز الابتدائي، تحيل بالضرورة على آليات انتاج هذه النخب، و تقول بأنها لازالت غير فعالة، وتحْدث بالتالي تأثيرا في مختلف عمليات المواكبة والترافع والمساندة والدعم، وفي مجال التأطير والتكوين…، وواقع الحال يجعل الفاعل الحزبي المحلي، بالمجالس المحلية المنتخبة بصفة خاصة، وبالحياة السياسية المحلية بصفة عامة،بفعل هذه العوامل، بعيدا عن الانخرط، بفعالية وإيجابية، في الورش الترابي المطروح، وغير مواكب لمستجداته، بفعل الوضعية المركبة للشأن المحلي المتداخلة الأبعاد التي تفترض تفعيل أدوار اللجان الإقليمية والمحلية والجهوية، وتنزيل المشاريع التنموية التشاركية، وموارد اخري لتأهيل العمل الجماعي الترابي. والأخطر من هذا هو وجود أشكال للمقاومة بكل الطرق،حتى غير الشرعية وغير الديمقراطية، بسبب من الأسباب أو بدونه في غالب الأحيان، لبروز نخب جديدة متعلمة وشابة، قادرة على الاندماج في بنية النسيج المجتمعي، وتملك آليات الترافع والتعبئة المجتمعية، وملَكَة الإجابة على تحديات تحولات السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي المحلي والوطني، أو في أحسن الأحوال تفرض النخب القديمة منطقها وآلياتها لتــٌأقلم النخب الجديدة مع منطقها.

أمام هذا “العقم المحلي” في انتاج النخب السياسية، وأمام هذا المنطق القوي في فرض آليات كلاسيكية للعمل السياسي…، تجد الأحزاب السياسية نفسها، محليا ، مجبرة على فتح أبوابها للانتقالات الحزبية للنخب السياسية كل موسم انتخابي، لتعزيز مكانتها وفرص نجاحها الانتخابي، بدل فتح مقراتها للتنشئة وإنتاج نخب جديدة قادرة على مواكبة التحولات، ليظل ميزان دوران النخب يشتغل بطريقة طبيعية بطيئة؛ ويجعل من ظاهرة الترحال الحزبي ظاهرة راسخة في الممارسة الانتخابية والحياة السياسية بالمغرب، بفعل ما توفره هذه التربية المحلية من أسمدة عضوية مكملة لاستفحالها.

هذه الوضعية تجعل الورش الترابي المحلي أمام ضرورة تاريخية  للبحث عن الصيغ المناسبة، لفرز النخب السياسية المحلية القادرة على مواكبة دينامياته المستقبلية، وتجاوز التراشقات اللفظية السائدة في الحياة السياسية المحلية، وبهرجات افتراضية في قنوات التواصل الاجتماعي بالحسابات المجهولة، وتجَاوُز منطق الاتهامات المتبادلة بين الفاعلين الحزبيين والمنافسين السياسيين بخطاب ديماغوجي بعيد كل البعد عن مصلحة جماعاتهم ومواطنيهم، وفق صراع انتخابي يفتقد لقواعد اللعبة الديمقراطية ، وطرح البرامج والافكار المعبِّرة عن هموم المواطنين ومعاناتهم، وسبل تجاوزها.

لم يعد مقبولا في العالم السياسي اليوم للحزب، أن يتحول لمجرد دكان انتخابي ينتظر قدوم أحد ” الطيور المهاجرة ” كل موسم، للرفع من أسهمه الانتخابية؛ فالأحزاب، محليا،  لها أدوارها الدستورية والقانونية والتأطيرية …، وعليها التزامات البحث عن النخب القادرة على التدبير والتمثيل، ولها مشروع تواصلي يجعلها قريبة من هموم المواطنين وانشغالاتهم اليومية وبرنامج لتحسين تقديم خدمات القرب لهم وفق القوانين الجاري بها العمل.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button