جهاتسياسيةقضايا وحوادثمجتمعية

الفاعل الحزبي السياسي المحلي بإقليم شفشاون وسبل التأهيل( 5/6 )

 
4ـ بين “موسمية” الاستحقاق الانتخابي و”استراتيجية” الفعل السياسي
صهيب مهدي
 
كما أشرنا سابقا، لم تستطع المتعلقات القانونية، المرتبطة بالمستجدات الدستورية على مستوى الورش الترابي، الإجابة على سؤال إنتاج النخب المحلية القادرة على تدبير هذا الورش؛  فالمتعلقات التشريعية والتنظيمية، وبالخصوص على المستوى الانتخابي، الكفيلة بتحرير الطاقات المحلية الشبابية المتعلمة التي تزخر بها مناطق المغرب العميق، والقادرة على مواكبة دينامية تنزيل النموذج الجديد للتنمية، تظل دون المستوى المطلوب؛ فالآليات الحالية المتوفرة لا تسمح بالقدر الكافي لإحداث دينامية دوران النخب السياسية المحلية اللازمة لمواكبة المستجدات الراهنة على مستوى المشروع الترابي، وبالقدر الكافي لإدماجها في الحياة السياسية المحلية، وهذا ما جعل الفاعل الحزبي السياسي المحلي يحاول “احتضان” الطيور السياسية المهاجرة بفعل ظاهرة الترحال الحزبي، بدل دوره الحقيقي في “إنتاج” النخب والكفاءات، وجعلت بالتالي كنتيجة حتمية فعله السياسي يتسم بالموسمية الانتخابية.
يفترض في الأدبيات السياسية من الفاعل السياسي الحزبي، تقديم عرضه السياسي للمواطنين، وإقناعهم به، وتبَنِّيه والدفاع على مشروعه السياسي وبرنامجه لتدبير السياسات العمومية، بما فيها المحلية، وبما فيها وعاء كفاءاته ونخبه المتوفرة القادرة على تدبير الشأن العام، خلال كل مشوار الحياة الزمنية لهذا الفاعل المؤسساتي. 
هذا السلوك السياسي الاستراتيجي لا نجد له اثرا في الحياة السياسية المعاشة، فهو كعملية يومية تقتضي منه نهج مقرات القرب وتحريك خلاياها التنظيمية المحلية للتعريف بالحزب وبرنامجه، وهو أبعد ما يكون على النخب السياسية الحزبية السائدة، التي يظل طموحها السياسي يقتصر على المعركة الانتخابية والظفر بالمقاعد ومناصب المسؤولية؛ ففي الوقت الذي تتنظر الحياة السياسية من الأحزاب وفاعليها  السياسيين المحليين تنشيطها بالعروض والاقتراحات السياسية لتحسين واقع حالها التدبيري، وعرض برامجهم السياسية ومخططاتهم المستقبلية للتنمية أمام الناخبين…، ينحصر دورهم في الانشغال الحصري بالاستحقاقات الانتخابية وفق منطق تجاري استثماري، أفقد السلوك السياسي الديمقراطي مصداقيته لذى المواطنين، وأفسد الأخلاق السياسية للعديد منهم، ونمى ثقافة فقدان الثقة في الفاعلين السياسيين، بعد أن أصبح صوتهم مجرد رقم حسابي تستعمل كل الطرق لحصده، بما فيها عمليات البيع والشراء والسمسرة والمزاد شبه العلني…، وما فيها من سيادة خطاب ثقافة التوسل والتسول والكذب والنفاق، ومختلف أشكال الحيل السياسية البدائية، لاستمالة أصوات المواطنين، ولا شيء غير أصواتهم الانتخابية؛ فما تشهده الساحة السياسية  المحلية بإقليم شفشاون في الآونة الاخيرة من تراشق “فايسبوكي” بالوكالة عن بعض السياسيين، وبهرجة إعلامية غير مسبوقة لضرب هذا والتشكيك في مصداقية وكفاءة الآخر، ومن اتهامات بين المنتخبين…، تؤشر لتنامي صراع انتخاباوي يغذي هذا الخطاب السياساوي الديماغوجي المشار اليه، البعيد كل البعد عن مصلحة الساكنة المحلية وقضاياها الاساسية. 
 هذه السلوكات أفسدت الممارسة السياسية المحلية الديمقراطية للفاعل الحزبي وللمواطنين على السواء، وغدت نزعات العزوف عن المشاركة السياسية الانتخابية لذى العديد من الكفاءات المحلية التي كان من الممكن أن يستفيد منها الحقل السياسي والتدبيري المحلي، وأصبح الصوت الانتخابي مجرد رقم في بورصة البيع والشراء… أو في أحسن الأحوال تقديم خدمات لا علاقة لها بالفعل السياسي الحقيقي، والأدهى من هذا أن كل الأحزاب توزّع قُفف المساعدات كلما اقتربت الانتخابات وتنتظر الأصوات كمقابل لهذه الخدمات الاحسانية والاجتماعية… .
لقد أصبح السلوك السياسي، محليا، مرتبطأ، وجوداً وعدماً، بالصراع الانتخابي الضيق، والذي يتغذى بالنزعات العائلية والقبلية والشخصية…، على حساب قضايا المواطنين ومعاناتهم المعاشية اليومية بفعل صعوبات الطبيعة وإكراهات السياسات العمومية الموجهة للعالم القروي المتسم بركود اقتصادي، وأزمات اجتماعية واضحة للعيان…، فالبحث عن مناصب التوقيع والتعويضات والسلطة والمصلحة الشخصية… هي من محصلات سيادة الفعل الانتخابي الضيق، على حساب الفعل السياسي بمعانيه المتعارف عليها. وبتعبير صاحب الجلالة نصره الله،فإن : “هيئات قائمة عل تقسيم المجتمع إلى طوائف دينية أو عرقية وأخرى لا همّ لها إلا الأغراض الانتخابية، بدل التنافس على البرامج الملموسة وتكوين النخب الواعية المسؤولة … وهيئات أخرى تركب في المواسم الانتخابية مواضيع وشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع … والطبقة السياسية لا انشغال لها إلا بالمواعيد الانتخابية جاعلة من الانتخابات المعركة الوحيدة الحاسمة…” وعدم الحسم في هذه الإشكالات الاساسية يضر بالديمقراطية المحلية ودورها في بناء الورش الترابي المفتوح مع دستور 2011. 
هذه الديمقراطية هي في أمس الحاجة اليوم لفعل سياسي الحزبي يتجاوز المفاهيم السلبية الضيقة المشار إليها، لينفتح أكثر على المجتمع ويعبر على تطلعاته، باعتباره أهم قنوات الوساطة بين مؤسسات الدولة والمجتمع. وهذا ما يتطلب القيام بقطيعة مع المظاهر السلبية الحزبية السائدة اليوم، وإيجاد الإطار تشريعي جديد المناسب القادر على تجاوز النموذج الحزبي المحلي، بما يتناسب وطبيعة المرحلة وتحدياتها التي تتطلب فعل حزبي محلي يستمد شرعيته القانونية ومشروعيته الديمقراطية، من ممارسته للفعل السياسي الحقيقي الذي تقوم به الأحزاب السياسية باعتبارها مظهرا من مظاهر الأنظمة الديمقراطية، وأهم مؤسسة سياسية معنية بتأطير المواطنين، وفتح سبل المشاركة السياسية، وتنشئة المواطنين وتكوينهم سياسيا على سلوكات المواطنة الحقة، وتأطيرهم بالقضايا الوطنية الكبرى وإشراكهم في القرار السياسي، وإعدادهم للمشاركة في الاستحقاقات بمختلف الوسائل الممكنة…، وبما يخدم الوطن ومصالحه الاستراتيجية، ومناقشتها بشكل عقلاني بعيدا عن الخطاب الشعبوي الانتخاباوي، الذي أصبح اليوم السمة الأساسية والوحيدة لدى الفاعل الحزبي المحلي.
إن تنامي التحولات ذات الأبعاد المتعددة وتنوع الفاعلين المحليين، وتزايد إرادة الانخراط ورغبة الساكنة في المشاركة في مسلسل اتخاذ القرار المحلي والمساهمة في المشاريع الترابية، قد أحدثت تغييرا جوهريا…، تقتضي مواكبة تنظيمية وتشريعية من طرف الحكومة قادرة على  الاجابة على تنامي السلوكات المشينة محليا، والتي تجد توابعها وطنيا، بتجاوز بعض مظاهر الأزمة التي تعرفها ديمقراطية القرب التمثيلية والاجابة على رهانات ديمقراطية القرب التشاركية.
ورغم أنه ومن خلال مختلف التجارب السابقة والمقارنة أن الانتخابات لوحدها لن تحل المشاكل المتراكمة، ولن تجيب على اشكالات التنمية بالتمام والكمال  لوحدها، إن لم تكن جزءاً من عملية شاملة لإعادة الثقة في العمل السياسي ليصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات، إن اقتصرت على الصراع على السلطة والمناصب …، لهذا فهي ضرورة ومطلب من صميم متطلبات الحياة الديمقراطية ومطلباً مجتمعيا، لعلها تشكل طوق نجاة وتحرك المياه الراكدة وتُحدث تغييراً يفتح باب الأمل للشباب المتطلع لغد أفضل، إن اقترنت بمتطلباتها، وتجاوزت مظاهر الترف الديمقراطي الانتخابي وسياق آلياته التنظيمية الروتينية الى جوهر ممارسة الفعل السياسي الحزبي المحلي، وفق القوانين الجاري بها العمل دوليا.
 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button