ثقافيةمقالات رأيوطنية

حين تسُود ثقافة “القوالب” على ثقافة النوابغ

 

حمادي الغاري

هي قوالِبٌ لخطب وُدّ ما شئتَ، أشخاصا كانوا أم أحزابا. لكل حزب قالَبه الجديد ، في هذه السنة المباركة (2021) التي أرْخَت علينا فيها جائحة كورونا بوبائها وخطرها، فتعطَّل مَن تعطّل؛ وتوقّف من توقّف؛ وتكَرْفَسَ من تكرفس ؛ ومات من مات وبقي من بقي…. وفي مثل هذه الحالات، لا نجد بُدّاً من حمل خنشة من القوالب ، وكأنك تحمل صخرة “سيزيف”، لأنها وسيلة مهمة للدعم أو المواساة أو للتعزية.. والحمد لله على نعمة القوالب..أقصد قوالب السّكر التي يكاد بلدنا يتميّز بها صناعيا واقتصاديا واجتماعيا، خاصة أن قوالبنا هي الوسيلة التقليدية المعمول بها في المناسبات؛ وهي قوالب تساعد كثيرا،بل يعود إليها فضلٌ كبير في حلّ كثير من المشاكل، ونفكُّ بواسطتها الكثير من الحالات الصعبة التي نجد أنفسنا أمامها..لذلك،لا غرابة أن يحظى القالَب بمكانة كبيرة في المجتمع؛ وهو الحاضر دوْماً سواء في لحظات الفرح أو القرح..حضورٌ بارز للقالب…لا يُناقَش،فبالأحرى أن يُطعن في وُجوده،لدرجة تجد منازلنا مملوءة بأكياس من القوالب بمناسبة نجاح في الدراسة، أو الحصول على وظيفة، أو بمناسبة خطبة أو زواج..أو وفاة… أو في عملية إصلاح ذات الْبَيْنِ مع صديق أو قريب أو جارٍ..

من الفوائد التي كانت للقالب، أنه حين تجد ربّة البيت نفسها أمام كثرة القوالب، التي تحتل أركان المنزل، تتجه إلى أقرب دكّان لعرضها عليه بِسِعْر غير سعرها..لا يهم السعر قدْر من يهم التخلص من القوالب..وهو مثل الدرهم الأبيض الذي ينفع في اليوم الأسْوَد.

هناك “قوالب” أخرى لا تقل أهمية ولا حضورا عن القوالب النفعية الخاصة. أعني بها “القوالب” المصلحية العامة التي تُستعمل في مناسبات أخرى ذات طبيعة وغاية أخرى. إنها القوالب السياسية، والنقابية ، والجمعوية ..والرياضية.. بقدر ما يكون استعمالها مُريحا وناجعا،بالنسبة لأصحابها، بقدر ما يكون مؤلماً ومُوجعا لدى ضحاياها..وهناك في مختلف الأحزاب والنقابات والجمعيات “مناضلون ومناضلات” يشكّلون نوعا من العصابات  التي لا ترتاح إلا بإقصاء أو تهميش أو عزل مَن ترى فيه خصمها العنيد وعدُوَّها اللذوذ، الذي قد يُفسد عليها مركزها وتطلعاتها وخُططها،ويقضي على أحلامها في تحقيق مصالحها..هنا لا تنفع صداقة ولا أخُوة ولا زمالة ولا رفقة ..ولا عهْدٌ ولا وعْد ولا مراعاة لأي شيء..هنا تسود لغة “القوالب” وسلوك “القوالب” وثقافة “القوالب” وأعرافها  وطُرُقها..واذهب أنت ونفسك، واحْرِص على محاصرة نفسك بنفسك، ونَاضِلاَ وكافِحَا وجاهِدَا من أجل إعداد وبناء وطن الغد، ومجتمع الغد، وتعليم الغد، وثقافة الغد، وجيل الغد..وعقلية الغد….

“قوالب” يمكن أن ترفعك إلى أعلى عِلِّيّين ،كما يمكن أن تهْوِي بك إلى أسفل سافلين.. يمكن أن تُبوئَكَ مقاما أعلى ودرجة أسمى.. بدون أن تكون تتوفر على أيّ مُؤَهَّل أو شهادة أو دبلوم ..المعيار الوحيد والأقوى “القالب”…إذا كنت شاطرا وبارعا  في كيفية استعماله.. والمضحك المُبْكي أن يتم استعمال هذه “القوالب” باسم “الديمقراطية”؛ هذه “الديمقراطية” التي يتم بها دَفْعُ ، بل إنْزال أُمّي ،بل جاهل،إنزالاً، ليصبح بين عشية وضحاها زعيم حزب أو نقابة أو رئيس جمعية..يخطب على المثقفين والمفكرين ..ويترأس لقاءاتهم، ويتحدث باسمهم ،ويمثلهم في الحكومة أو البرلمان أو الجماعة أو النقابة أو الجمعية بسبب خبرته وحنكته في استعمال…”القوالب”…

أما قمة السخرية، فتتمثّل في اختتام أشغال مؤتمرات حزبية ونقابية، وجموع عامة للجمعيات والمنتديات، وبالضبط حين يتم الإعلان، على رؤوس الأشهاد، عن اسم الزعيم أو الرئيس الجديد..والإعلان عن انتخابه ب….”الإجماع” !!!

يالَلْهَوْل !! لا أفهم كيف يتم “الانتخاب” ب”الإجماع”، لأن عملية الانتخاب تعني التنافس والتعدُّد..؛ ثم إن عملية الانتخاب، في حدّ ذاتها، متناقضة ولا تتحمّل وجود “إجماع”..وإلا فإن الأمة اجتمعت على ضَلال.

أتساءل هنا:كيف أن ثقافة “القوالب” تسُود على ثقافة النوابغ؛ وتصبح أنت المثقف، الأديب، الإعلامي، الطبيب، المهندس…تحت قيادة أو جُبَّة “قوالبي” يعرف من أين تُؤْكَل الكتف والمخ…..

“تمّ بْكِيتْ أنا…”..

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button