
كادت وزارة بنموسى، بمعاييرها الجديدة، أن تصيب في الانتقاء ،كما أخطأت في تحديد السن لقتلها الطموح والحق في الشغل .
لقد أثارت المعايير الجديدة لولوج مهن التدريس المحددة في أربع نقاط، موجة من الانتقادات، وأسالت الكثير من المداد، فِعلاً ،ومما لاشك فيه، من أجل إعادة الاعتبار لمهنة التدريس، وإضفاء جاذبية أكثر للمهنة وتجويد القطاع، كان لابد من وضع تلك المعايير الجديدة الصارمة، كشروط لولوج مباريات التدريس ، لكي لا يكون “التعليم مهنة من لا مهنة له”، كما يقال في السنوات الأخيرة .

نعم، الموضوعية تقتضي الانتقاء القبلي لاجتياز المباريات الكتابية كما كان معمولا به سابقا، ومعمول به في أغلب مباريات الوظيفة العمومية: الصحة والطب والهندسة… لكن المشكل يكمن في درجة فاعلية المعيار، فميزة البكالوريا لوحدها معيار غير دقيق نظرا لاختلاف الشُّعب، والأنسب إدراج بيان نقط السنوات الثلاث للباكلوريا، والاقتصار على معدلات المواد الأساسية: الفرنسية، الرياضيات، اللغة العربية، باعتبارها معايير موضوعية تُضفي المصداقية على الانتقاء ، دون الإعتماد على ميزة الشهادات الجامعية، لأنه مع تعدُّد التخصصات، واختلاف المسالك، يصعب الانتقاء، خاصة في التعليم الابتدائي؛ وهي، ربما، ناجعة أكثر بالنسبة لولوج مباريات التخصص الثانوي الإعدادي .
إن إدراج رسالة بيان الحوافز كوثيقة أساسية، من أجل تقييم الرغبة والاستعداد من طرف المترشحين والمترشحات بخصوص مهن التربية، نقطة إيجابية غاية في الأهمية، لا سيما تقييم الاستعداد النفسي والذهني للمترشحين والمترشحات، ومعرفة مدى قابليتهم للانخراط في مهنة التدريس، خاصة بالعالم القروي، وتحت طائلة جميع الظروف ،لأن هناك من يلج إلى المهنة مُرغماً ، غير مقتنع بها، بل هروبا من شبح البطالة لاغير، ولغياب البديل ايضا. من هنا جاءت تلك العبارة التي تحتقر مهنة التدريس، مما يؤثر سلبا على الأداء والمردودية، وتفقد المهنة هِيبتها وقيمتها .
كما أن إعفاء حاملي إجازة التربية من مرحلة الانتقاء القبلي، كإجراء يهدف إلى تحفيز حاملي هذه الشهادة، والتشجيع على الإقبال على هذا التخصص، لدعم مهن وظائف التربية والتعليم مستقبلا، قرار صائب لِما له من انعكاسات إيجابية للارتقاء بقطاع التربية والتكوين .
يبقى معيار تحديد السّن الأقصى لاجتياز المباريات في 30 سنة، يمكن اعتباره قرار غير صائب وغير موضوعي، على الوزارة الوصية مراجعته والتراجع عنه في القريب العاجل قبل فوات الأوان، لأنه معيار مجحف وغير منصف؛ معيار يقتل الطموح والحق في الشغل، معيار دون سابق إنذار؛ ستكون لتبعاته انعكاسات سلبية على المجتمع: تفشِّي البطالة وانسداد الآفاق..
في الماضي القريب ،كان العمر يُحدَّد في 23 سنة أثناء اعتماد البكالوريا كشرط دون الإجازة. لكن اليوم ليس هو ذلك الماضي.. لكل زمن خصوصياته تتغير معه المعطيات والوقائع.. مثلا: مَن سيمتص تلك الأفواج من المعطلين الذين أفنوا سنوات حياتهم في التحصيل؟ ما مصير هذه الفئة التي كانت تنتظر، بفارغ الصبر، وُلُوج عالم الشغل؟ ألم تشفع لهم تلك السنوات من التحصيل والبطالة للولوج إلى هذه المهن؟
نعم.. جميعا من أجل الارتقاء بجودة التعليم، وردّ الاعتبار لمهنة التدريس والمدرسة معا، لكن ليس على حساب فئة معينة، لا ثم لا للإقصاء.. المرجو رفع هذا الحيف “المعيار المجحف”، والتراجع عن شرط السن، تفعيلا لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة،
و…عند الامتحان يُعزُّ المرء أو يُهان.