سياسيةمقالات رأيوطنية

أنا مغربي..ولن أكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين

                                                 

 

 

حمادي الغاري

علاقة المغرب بفلسطين تعود لأزمان غابرة. وليس هناك مَن يستطيع أن ينفيها أو يتنكّر لها فبالأحرى أن يُنكرها ،لأنها قائمة موجودة في الماضي والحاضر والمستقبل ..وكان من عادة الحُجّاج المغاربة ـ وهي العادة التي أصبحت سُنَّة واجبةـ زيارة بيت المقدس خلال عودتهم من مكة المكرّمة..كما أن حضور المغاربة كان قويا وذي معنى ،سواء من خلال وجودهم ،المادي والمعنوي بالأراضي الفلسطينية، وفي القدس على وجه التحديد، وباب المغاربة أو حارة المغاربة شاهدان على ذلك، أو من خلال المساهمة الفعلية إلى جانب صلاح الدين الأيوبي لطرد الغزاة الصليبيين.. واستمر هذا الحضور، بدون انقطاع أو توقُّف، خاصة بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وكان المغرب، وما زال، إلى جانب القضية الفلسطينية. وفي قمة الرباط (أكتوبر 1974)، تم اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. وقد قام الملك الراحل الحسن الثاني بدور كبير من أجل جمْع قادة العرب في المملكة، والمصادقة على قرار الاعتراف بالمنظمة الفلسطينية. وهذا ليس غريبا على المغرب الذي خرجت منه أهم القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية ،سواء كان ذلك على مستوى القمم العربية أو الإسلامية التي كانت تجد في المغرب الفضاء المناسب والملائم لمناقشتها وتبَنّيها…هذا دون الحديث عن اجتماعات لجنة القدس التي يرأسها المغرب، والدور الذي تقوم به في مجال دعم الوجود الفلسطيني ماديا ومعنويا، وفي مختلف المجالات ..وهو الدور الذي ما زال قائما وموصُولاً لحد الساعة..

 

الفلسطيني ياسر عرفات، الأمريكي بيل كلينتون والإسرائيلي إسحاق رابين

السؤال المطروح :هل يمكن لأيّ عربي أو مسلم، أو أيّ مواطن من أي بلد، أن يزعم أنه فلسطيني أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، مهما بلغ حبّه لفلسطين والتزامه بقضيتها ونصرتها..؟ الفلسطينيون أدرى بقضيتهم، لأنهم أصحاب القضية الوحيدون والشرعيون ؛ وبالتالي لا يمكن لأيٍّ كان أن يحل محلهم أو أن يفتي عليهم ما يفعلوه وما لا ينبغي أن يفعلوه.

نعم، لِنُصْحهم ونصرتهم ودعمهم ومساعدتهم بكل الوسائل الممكنة، لكن من دون فرض وصاية أو توجيه عليهم،على اعتبار أن أهل فلسطين أدرى بشعابها. ومن يرفع  شعار “فلسطين ظالمة أو مظلومة”،يجهل أو يتجاهل أنه لا أحد من خارج البيت الفلسطيني يمكن أن يُفتي على أصحاب البيت ما يجب وما لا يجب ؛ وما يفعلوه وما لا يفعلوه .. فما حكَّ جلدك مثل ظفرك ؛ وليس من حق أحد أن يقرر في قضايا تخص الفلسطينيين أنفسهم .

بدأت المرحلة الأولى لِما يُسمَّى بعملية السلام في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في لقاء مدريد، سنة 1991 تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية ،برئيسها جورج بوش الأب ،على أساس “الأرض مقابل السلام”..وهو اللقاء الذي سيُفضي إلى توقيع اتفاق أُوسلو، لأن في النرويج تمت المحادثات السرية بينهما؛ وتوقيع اتفاقية أوسلو ستتم في واشنطن ،يوم 13 شتنبر 1993 ؛ وهي أول اتفاقية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، نصت على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية، وهي السلطة الوطنية الفلسطينية، ومجلس تشريعي منتخَب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية ..وهي الاتفاقية التي وقّعها وزير خارجية إسرائيل، شمعون بيريز، والقائد الفلسطيني ياسر عرفات؛ ثم بين عرفات وإسحق رابين يوم 28 شتنبر 1995، بواشنطن.. إلى آخر المفاوضات بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في شهر شتنبر 2010 بواشنطن.

الملاحَظ هنا أن المفاوِض فلسطيني، ليس أيّ فلسطيني،بل القادة: من ياسر عرفات إلى محمود عباس. بالطبع، فإن عرفات وعباس التقوا وتحدثوا وتفاوضوا ساعات طويلة ..قبل التوقيع على ما وقّعوا من اتفاقيات مع مسؤولين إسرائيليين، مع التأكيد أن الاتفاقيات تنص أيضا على اعتراف متبادل بين الطرفين، أي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

هل كان الزعيم عرفات يتفاوض مع أشباح لكي لا يُوصَف أنه يقوم ب”التطبيع” مع إسرائيل؟ لقد تفاوض عرفات، وهو رئيس السلطة الفلسطينة، مع إسحق رابين وغيره من المسؤولين الإسرائيليين. ونفس الأمر بالنسبة لخلفه محمود عباس…(+)

هل تبرّمت السلطة الفلسطينية حين أقامت الأردن ومصر، ثم دول الخليج والسودان، علاقات مع إسرائيل؟ هل قالت السلطة أن هذه الدول العربية استَقْوت بإسرائيل من أجل الاعتداء أو الهجوم على الفلسطينيين؟

سيقول البعض أن الأمر يختلف حين يتعلق الأمر بالمغرب . نعم يختلف عن كل الأنظمة العربية،لسبب بسيط وعميق وهو أن طبيعة الدول العربية التي اعترفت أو التي لم تعترف أو التي ستعترف بإسرائيل، مختلفة عن طبيعة اعتراف المغرب بإسرائيل، لأن سكان المغرب يتكوّنون من مسلمين وعرب وأمازيغ ويهود. وينص دستور المملكة المغربية صراحة على هذه المكَوِّنات؛ وأن الملك هو أمير المؤمنين كانوا مسلمين أو يهودا؛ وأن للمغرب يهودا مغاربة في إسرائيل ،مازالت علاقتهم مع بلدهم المغرب قائمة ومستمرة إلى اليوم ..وأن لليهود بِيَعهم وزواياهم وأضرحة أوليائهم ما زالت موجودة في المغرب ، ويزورونها باستمرار منذ عقود..؛  ولا ننسى كذلك جواب الملك الراحل محمد الخامس على طلب حكومة فيشي الفرنسية النازية بتسليم اليهود الموجودين في المغرب..حين قال لها :أسلّم نفسي على أن أسلِّم اليهود ..إنهم مواطنون مغاربة..

يبقى القول أن المغرب متفرّد في تاريخه العريق ووجوده العميق ؛ وأنه يشكّل دائما الاسثتناء .وتكفي الإشارة إلى أنه البلد العربي والأفريقي الوحيد الذي لم يخضع لنظام الاستعمار ،بل لنظام الحماية؛ وأن هذا النظام لم يُفرض على المغرب إلا في سنة 1912؛ وأن المغرب كان آخر بلد عربي وأفريقي يتم “استعماره”؛ وهو البلد الوحيد الذي لم تقض فيه قوات نظام الحماية سوى فترة قصيرة لتخرج منه سنة 1956 ؛ وأن المغرب يتميز بنظام قائم ومستمر ومستقر منذ قرون، وله تقاليده المتفرِّدة، وثقافته الراسخة، وسياسته المتميزة في الحُكم…

بناء على ما سبق، لا يمكن أن أزعم أو يُطلب مني أن أكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين. وبنفس القوة، لا يمكن أن أطلب من فلسطيني أن يكون مغربيا أكثر من المغاربة. أما شعار “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”،فالواقع هو الذي يُفرز الحقيقة من الْوَهم؛ والصَّح من الكذب والبهتان..ويبقى شعارا يستخدمه البعض لدَرِّ الرماد على العيون.

إذن،أنا مغربي، ولا يمكن أن أكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين. 

(+) التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ،أمس الثلاثاء 28 دجنبر2021، مع وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس ، بمنزل هذا الأخير.

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button