رياضيةوطنية

لاعبون مزاجيون …وهوْس الكرة التي فيها شيء من “لَحْماق” المبدع

 

حمادي الغاري

لا أحد يجادل في أن حكيم زياش، اللاعب الدولي المغربي ، ولاعب فريق تشيلسي الأنكليزي، لاعب موهوب ،ذو رؤية نافذة ،وتمريرة حاسمة ،يمكن في أيّ لحظة أن تقلب مجريات المقابلة رأسا على عقب.

زياش… المغربي حتى النخاع

أكثر من ذلك هو لاعب مزاجي. وهذا بيت القصيد. ويذكِّرني بلاعبين سبقوه في عد فرق مغربية، منهم على الخصوص :لاعب الرجاء والوداد البيضاويين ، عبد اللطيف،المعروف ب” بيتشُو”؛ محمد العامري ،لاعب اتحاد سيدي قاسم ،وأحمد البهجة لاعب الكوكب المراكشي.

لاعبا اتحاد سيدي قاسم الشهيران:محمد العامري(يمين) وسليطن

وجود اللاعب المزاجي ضروري،سواء على مستوى ناديه أو على مستوى منتخب بلاده. وحين يكون اللاعب ـ أيّ لاعب ـ يتّصف بهذه الخاصية ،فهو لاعب كبير، مع العِلم أن صفة المزاجية لا تُواتي أيّ لاعب .

لاعب الرجاء والوداد البيضاويين…بيتشو

من خصائص اللاعب المزاجي ،أنه صعْبَ المِراس؛ لا يتحمّل، بطبعه، أن يُخْنَقَ في إطار رؤية أو خطّة مدرّبِ. لذلك يكون من الصعب على المدرّب احتواؤه أو حبْسُه في هذه الرؤية أو الخطة. وإذا كان للمدرّب رؤية تربوية إلى جانب الرؤية التقنية ،فقد ينجح في احتواء مزاجية اللاعب ،مع منحه الحرية في ممارسة مزاجه الرياضي. وغالبا ما يكون اللاعب المزاجي فنّانا ،مبدعا ومثيراً للجدل أيضا.

 

لاعب الكوكب المراكشي ..البهجة …بهجة الملاعب

زياش واحدٌ من هؤلاء اللاعبين المزاجيين العظماء، على غرار لاعبين مغاربة سبقوه ،مثل: عبد اللطيف بتشُو، محمد العامري وأحمد البهجة؛ ومثل الهولندي كرويف؛ الأرجنتيني مارادونا؛ البرازيلي روماريو؛ الألماني برايتنر…وغيرهم. وهؤلاء النجوم لا يشتبهون في مزاجياتهم .لكل واحد مزاجيته الخاصة، لكن يلتقون في كونهم لاعبين مهَرَة ومبدعين.

أستحضر ثلاثة لاعبين مزاجيين ؛ شاهدتهم في أكثر من مقابلة على مستوى البطولة أو المنتخب الوطني. وهم ثلاثة: محمد العامري، من فريق اتحاد سيدي قاسم(الستينيات والسبعينيات)؛ المرحوم بيتشُو من الرجاء الرياضي (في فترة السبعينيات)، ثم البهجة من الكوكب المراكشي (في الثمانينيات) .

تتّسِم مزاجية هؤلاء الثلاثة بالروعة والثارة ،لدرجة أنك لا تعرف ماذا  بإمكانهم أن يفعلوا خلال المقابلة. وفي لحظة ما يهزُّون الجماهير بن خلال تمريرة حاسمة، أو مراوغة ساحرة ،أو طريقة في اللعب فريدة.. لا يمكن لأحد غيرهم أن يقوم بها بنفس السرعة والدِّقَّة والمهارة..

كانت مزاجية هذا الثلاثي تثير غضب، بل ضغينة أكثر من مدرّب ومسَيِّر..ومع ذاك لا أحد يُنكر إعجابه بهم، خاصة أن هؤلاء من طينة خاصة، بدليل أنه يحدث أن لا يتدربوا ب”الْجِدِّية” المطلوبة ،لكن يوم المقابلة يكون كلام آخر، ويحدث أمْرٌ آخر.. من وحي مزاجيتهم،وليس من وحي خطّة أو تعليمات المدرب..وعادة ما لا يحب بعض المدربين مثل هؤلاء اللاعبين ،مخافة أن تنتقل “عدْوَاهُم” لبقية اللاعبين الآخرين ،مما يجعل المدرب في موقف صعب لا يمكن التغلُّب ،فبالأحرى السيطرة عليه، ولا يجد أمامه أيّ حل آخر سوى إبعاد العنصر المزاجي من لائحته الرسمية ،”ومْرِيضْنا مَعَنْدُو باس”.

من حسن حظ  اللاعبين : محمد العامري (سيدي قاسم) ؛بيتْشُو (الدار البيضاء) والبهجة (مراكش)، أنهم كانت لهم “كاريزما” مؤثِّرة ونافذة لدى الجماهير وحتى لدى المسيّرين رغم مزاجيتهم…وهي مزاجية معطاء..وذات معنى.

من هنا فإن، موقف مدرب المنتخب الوطني، البوسني الفرنسي ، وحيد خليلوزيتش، ليس غريبا من اللاعب الحكيم: حكيم زياش…بتعمُّد إبعاده من منتخب بلده المغرب، والإصرار على عدم إشراكه في منافسات كأس أفريقيا بالكاميرون..خاصة أن تصرُّف المدرب وحيد لم يكن صائبا ،وقد ظهر هذا جليا في مقابلات المنتخب المغربي في الكأس القارية.

إن أيّ فريق أو أيّ منتخب يكون في حاجة إلى لاعب مزاجي وسط لاعبين زملاء جدِّيِّين، على اعتبار أن وجود لاعب مزاجي، من عيار حكيم واللاعبين المُشار إليهم،أكثر من ضروري ،لأنه بإمكانهم أن يصنعوا الفارق في أيّ لحظة ،لكونهم يُخلقون متاعب جمَّة للفريق الخصم، ونرفزة لاعبيه… وإخراجهم من أجواء المقابلة…
من سوء حظ حكيم أنه لم يجد أمامه مدرّباً …حكيما .. يضع في الحسبان هذه المزاجية ، وليس التخلُّص منه بطريقة أثارت الاستياء والاستنكار ليس فقط على المستوى الوطني ،بل على المستوى الخارجي، علماً أن مزاجية حكيم كانت من النوع التي تُفزع الخصوم وتُرْبِك حسابات مدرِّبيهم ..وهذا ما لم يستطع المدرب وحيد استيعابه في ذهنه، واستحضاره  في أجندته، فكان إلغاء هذه الورقة الرابحة من طرفه، مصدر ارتياح لكثير من المنتخبات التي لعبت مع منتخب المغرب، في منافسات الكأس القارية ، واستغربت لإبعاد حكيم من المنتخب، في وقت كان المنتخب المغربي في أمسِّ الحاجة إلى حكيم..وإلى مزاجيته.

حكيم الذي ذهب ضحية حسابات…..ضيقة،تفتقر إلى قدْرٍ كبير من الحكمة، كما ذهب، قبله، اللاعبون المذكورون ضحية نفس الحسابات ،لكن ظلت ذكراهم، مع ذلك ،حاضرة لدى الجماهير العاشقة للكرة التي فيها شيء من “لَحْماق”.

 

 

 

 

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button