حمادي الغاري
أعادني اسم، أو بالأحرى لقب، “طُوطُو”، سنوات وسنوات إلى الوراء. استحضرتُ هذا اللقب الذي كان يطلقه أبناء الحيّ على صديق لنا، من دون أن نعرف السبب.. كان اللقب خفيفا على اللسان خفّة حامِلِه الذي لم نلاحظ عليه يوما تبرُّماً أو انزعاجا من هذا اللقب الذي طغى على اسمه الحقيقي..
مشهد لمهرجان الرباط 2022
كان “طُوطُو” هذا.. خفيف الظل والروح والوزن..غير مُزعج..ودُوداً.. خجولا.. كتُوما.. لا تكاد تسمع صوته حين يتكلم.. كان من الصنف الذي يقال عنه “داخَلْ سوق راسو” بشكل لافت..”لا يستطيع تحريك دجاجة عن بيضها” كما يُقال .. كان صديقا في الحيّ وزميلا في القسم…لا أعرف إنْ كان ما زال على قيد الحياة أو توفّاه الله..وكم سيسرُّني لقاؤه أو رؤيته إذا كان ما زال حيّاً يُرزق، أما إذا توفّى فرحمة الله عليه.
كان هذا “طُوطُو” القرن العشرين ..أما “طُوطو” القرن الحادي العشرين، فهو شكل ثاني ؛ لا علاقة له، إطلاقا، ب”طوطو” الأول الدرويش، لا شكلاً ولا مضمونا.
“طوطو” هذا.. المعاصر، مغنِّي “الرَّاب”.. الذي له أربابٌ كُثر ..من الذين ضحكت لهم الدنيا لدرجة أنه “ضرب الدنيا بضربة مقص…” ، وأصبح يطلق ما شاء من الكلام أمام الآلاف المؤَلَّفة من الناس الذين يتابعون شطحاته غير المضبوطة، وحركاته غير المحسوبة ، وتصريحاته غير المسؤولة..وهي شطحات وحركات وتصريحات …مُؤَدّى عنها ب “فلوس صحيحة” من بيت مال الشعب. جِيءَ به للمشاركة في مهرجان الرباط عاصمة الثقافة الأفريقية.. وحضر لمتابعة ما يقدِّمُه مسؤولون، من بينهم وزير حُمِّل حقيبة الشباب والثقافة والتواصل.. الثقيلة، من دون أن يدري، ربما، أنه يحمل وِزْرَ ثلاث حقائب، مع أنه التحق بالحكومة لأول مرة، بدون أن تكون له تجربة و”صداع الراس”، في حكومات سابقة، كيْ يتكوَّن و”يَتَبْرَضْ مزيان” ..؛ ولا أعرف هل تحمّل ، أو إلى أيّ حدّ تحمّل الوزير، الشاب المهدي،حماقات “طوطو إلكراندي” ..
هذا هو “طوطو”؛ وهذا هو الوزير الشاب…المهدي الذي نرجو له الهداية..
“طوطو” على خشبة العرض ،يصُول ويجُول.. يقدّم وصْلَتَه “الغنائية” وسط الأضواء المنبعثة من كل جانب، ومن كل لون، وصخَب آلات موسيقية تزلزل المكان، وتصمُّ الآذان…والوزير الشاب يتابع عرض “طوطو” وكأنه يتابع قطعة سمفونية لموزار أو بيتهوفن ،أو قطعة “كل مَن صدّ وخانَ” لأحمد البيضاوي، أو “أنتِ” لعبد الوهاب الدكالي، أو “القمر الأحمر” لعبد الهادي بلخياط، أو “راحلة” لمحمد الحياني، أو” الجندول” لمحمد عبد الوهاب، أو “فاتِتْ جنبنا ” لعبد الحليم، أو أغاني “خربوشة” ورْوِيشة…
اختتم “طوطو” صوْلته وعرضه ب”التخربيق” .. بكلام يُندَى له الجبين، والتحريض على تناول وإدمان المخدرات ( أنا أدخن المخدرات…وماذا بعد..؟؟؟) أمام الشاشات والقنوات العمومية، في تحدٍّ للجمهور، ومن بينهم الوزير، الشاب المهدي، الذي دعاه للحفل.. والجمهور العريض.. الذي جاء من كل حيٍّ عميق.. والوطن الذي احتضنه.. بدون أدنى احترام ولا تقدير ولا مراعاة لحرمته..
كان ختامه “تخربيق في تخربيق”، وضحكٌ على الذقون ،وعلى الكل..وعلى وزارة الثقافة ..ووزير الثقافة والشباب والتواصل، و….طز ..على الجميع ..؟؟؟ !!!
لا أعرف كيف كان شعور الوزير …الشاب المهدي.. المكلّف بحقيبة الثقافة ـ ويالها من حقيبة ـ الذي شاركَ مع “طوطو” في بهدلَة الثقافة والمثقفين ..و…المغاربة أجمعين..
لو يعلم الشاب المهدي..الوزير، ومعه “طوطو”، أن المغاربة ليسوا في حاجة ل”الراب”؛ وأن في المغرب ما لا يُعدُّ ولا يُحصى من الأغاني والأهازيج و”لَعْيُوط” التي تهزّك هزّاً ..، من “رايْ” المنطقة الشرقية، والأغاني الريفية في الريف، و”الطّقْطُوقة’ الجبلية عند “جْبالة” ، و”الْهَيْت” في الغرب، و”الْعَيْطَة” في منطقة الأطلس، والدّقّة المراكشية الرودانية، و”أحيدوس” في سوس، و”الكَدْرة” في الصحراء …والأغاني الأندلسية والغرنطانية في أكثر من جهة بالمغرب… مع ما تقدّمه هذه الفنون من ألوان وأهازيج وتقاليد وأزياء ورسائل و…حرارة ودفْء،لا يقشع فيها “الرّاب” أيّ شيء، لأن “الرّاب” ليس لنا ومنَّا .. وهو ردّ فعل السّود الأمريكيين على القهر والاستعباد والتهميش الذي يُعانوه…
لنا مُعاناتنا، ولهم معاناتهم.. “ومَن بعد…”.