بسبب الهجرة … فرنسا بين انفصام الشخصية وفقدان الهوية
عبدالإله الوزاني التهامي
على امتداد جغرافية أوربا، والعالم بصفة عامة، تتوزع أعداد غفيرة من المهاجرين الوافدين من دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مشكِّلين جيلا جديدا من الساكنة تُضاف للسكان الأصليين لكل بلد على حدة. لكن الذي تتخوّف منه فئة عريضة من الباحثين، وجماعات العنصريين، تضاعُف الأعداد الوافدة بشكل يفُوق عدد السكان الأصليين.
إن مرد تخوُّف بعض الجهات راجعٌ إلى ما تشكِّله الهجرة غير الشرعية من خلل كبير وانعدام توازن في التركيبة الديموغرافية لمجموع السكان، فالنمو الديموغرافي في أي دولة يمكن ضبط تسارُع أو تباطؤ وتيرة نُموِّ مكوِّناته، سواء على المستوى العرقي أو الديني أو الجنسي (ذكورـ إناث)، ما لم يحدث انفلات لافت كالذي حدث في العقود الأخيرة، بشكل تصاعدي، بسبب ما يسمى بالهجرة غير الشرعية، التي شكّل أفرادها رقما ضاغطا على سياسات الدول المستقبلة ، مما جعلها تعمل على تسوية وضعية جل المهاجرين وتدمجهم في النسبج الاجتماعي والاقتصادي، إلى أن أصبح هذا الاندماج له مردود مادي اقتصادي كبير، أسال لُعاب السياسيين الذين لم يعودوا متحفظين من استقبال أي مهاجر كان، دون التفطن -سهوا أو عمدا- للآثار الأخرى الأكثر خطورة على المجتمع وهويته وتاريخه.
نستحضر هنا النموذج الفرنسي كدولة استقبلت أعدادا كبيرة من المهاجرين من أفريقيا والعالم العربي، وتم دمجهم وتجنيسهم بشكل متدرِّج، إلى أن شكّلوا رقما كبيرا مقارنة بعدد المواطنين الأصليين. وقد عرفت التركيبة الديموغرافية للفرنسيين ميلا كبيرا لصالح المهاجرين، وهذا لا يمكن التستر عليه، وما تفاعلات الساحة الشعبية في المواسم الانتخابية إلا مرآة عاكسة للوزن الكبير للمهاجر في تحديد وجهة السياسة الداخلية لفرنسا.
لهذا نرى، مثلا، أن الاجتياح الكبير للأفارقة والأجانب لتشكيلة المنتخب الفرنسي لكرة القدم، يضعنا أمام ظاهرة غريبة، قوامها أن المهاجر بإمكانه أن يكون حاكما وممثلا للسكان ومهندسا وإعلاميا وفاعلا مدنيا، وله جنسية فرنسية، ويتمتع بكل الحقوق كباقي المواطنين، وتمثّل فرنسا النموذج الأمثل، هذا دون الحديث عن تأثُّر المهاجر بثقافة الدول المستقبلة، وانسلاخه أو محافظته على هويته الأصلية …
إن فرنسا توَدِّع جِيلها الذهبي المتمثِّل في العجزة والشيوخ الذين هم بقايا حروب شهدتها أوربا، ولم ينجبوا من الخلَف إلا القليل، بمعدل 10 رجال أنجبوا في مجموعهم طفلا واحدا، هو الذي يشكّل الآن مجموع شريحة الشباب في فرنسا، لنكون أمام واقع تكون فيه الحظوة الكبرى، عدديا، للأجنبي المهاج،رفيما تبقى السلطة في يد دهاقنة “الدولة العميقة”، ليس فقط في فرنسا بل في مختلف دول العالم..