في الآونة الأخيرة، شغلت قضية تغيير جنس أحد الأشخاص المغاربة الرأي العام، وأصبحت حديث وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. تحولت القصة إلى محور اهتمام جماهيري واسع، وتصدرت النقاشات العامة، وكأنها قضية مصيرية تُحدد مستقبل المغرب. هذا الانشغال المبالغ فيه يطرح تساؤلًا مهمًا: كيف طغت قضايا سطحية على أولويات المجتمع المغربي، وأين مكان العلماء والمفكرين الذين يُشكلون أعمدة النهضة الحقيقية؟
التفاهة الإعلامية: من النقاش إلى الإثارة
موضوع تغيير الجنس، رغم أنه قضية تحمل أبعادًا اجتماعية وقانونية، إلا أن المبالغة في تغطيته تعكس أزمة في المشهد الإعلامي المغربي. بدلاً من تقديم نقاش عقلاني متزن، يسعى الإعلام إلى جذب المشاهدين عبر الإثارة والجدل، مما يؤدي إلى طغيان “التفاهة الجماهيرية” على القضايا الأكثر أهمية، مثل التعليم، البحث العلمي، والتنمية.
علماء ومفكرون مغاربة في الظل
بينما يحتدم النقاش حول قضية تغيير الجنس، تغيب أسماء العلماء والمفكرين المغاربة عن وعي الناس وإعلامهم. فمن يتحدث اليوم عن:
رشيد اليزمي: العالم المغربي الذي غيّر حياة الملايين عبر تطوير بطاريات الليثيوم-أيون، المستخدمة في الهواتف والسيارات الكهربائية.
المهدي المنجرة: عالم المستقبليات الذي حذر من تحديات العولمة وأثرى الفكر العالمي.
محمد عابد الجابري: الذي قدّم نقدًا عقلانيًا للفكر العربي وساهم في فهم تاريخ العقل العربي.
فاطمة الفهرية: مؤسسة جامعة القرويين بفاس، التي تعتبر أقدم جامعة في العالم.
ابن خلدون: الذي أسس علم الاجتماع وقدم تحليلات عبقرية عن صعود وسقوط الحضارات.
الابتكار في العصر الحديث
لم يتوقف المغرب عند رموزه التاريخية، فاليوم أيضًا نجد إنجازات مغربية حديثة في مجالات الطب، الهندسة، والتكنولوجيا. ولكن للأسف، يبقى هؤلاء العلماء في الظل، لأن الاهتمام الجماهيري يذهب إلى القضايا المثيرة للجدل، بدلًا من الاحتفاء بالعقول المغربية التي تُشرف البلاد عالميًا.
الإعلام وأزمة الأولويات
الإعلام المغربي شريك أساسي في هذا الوضع. فبدلًا من تسليط الضوء على الإنجازات العلمية والفكرية، يفضل الإعلام تقديم مواد مثيرة للجدل تضمن نسب مشاهدة عالية، حتى وإن كان ذلك على حساب القيم الثقافية والمعرفية للمجتمع.
رسالة للمجتمع
حين تصبح قضايا سطحية مثل تغيير الجنس محور اهتمام الجماهير، فهذا مؤشر خطير على اختلال الأولويات. المغرب يزخر بعلماء ومفكرين يستحقون التقدير والاهتمام. بدلًا من الانشغال بما لا يفيد، يجب أن نحتفي بأسماء مثل رشيد اليزمي، المهدي المنجرة، محمد عابد الجابري، وغيرهم ممن يُشرفون المغرب بعطائهم وإنجازاتهم.
التغيير الحقيقي يبدأ بإعادة توجيه البوصلة الجماهيرية نحو ما يُنير العقول ويبني الأوطان. فالاهتمام بالتفاهة لا يُنتج سوى مجتمعات فارغة، بينما الاحتفاء بالعلم والفكر هو السبيل الوحيد نحو التقدم والازدهار.