منوعات

أساتذة الجامعات المغربية يعانون تحت وطأة السفر الطويل وفقدان الاستقرار الأسري، فهل ستنصفهم الوزارة عبر حركة وطنية؟

يواجه عدد كبير من أساتذة الجامعات المغربية معاناة يومية مؤلمة بسبب تنقلهم المستمر بين مدنهم وأماكن عملهم في الجامعات، حيث يقطعون مسافات طويلة وشاقة. هذا السفر الطويل يتركهم في حالة إرهاق عميق ينعكس سلباً على جودة التدريس والبحث العلمي.

يروي (خ.م) بحرقة: “أقطع الطريق مرتين كل أسبوع، في كل مرة أسافر أكثر من 400 كيلومتر ذهابًا ومثلها إيابًا، أي ما يفوق 1600 كيلومتر أسبوعيًا. سبع ساعات متواصلة من التعب، تتبعها سبع أخرى من العودة المرهقة. ومع كل عودة إلى البيت يزداد الحزن، فقبل أن أستريح قليلًا، أجد نفسي مضطرًا لجمع حقيبتي من جديد، مستعدًا لرحلة أخرى بعيدًا عن أسرتي وأطفالي.”

لكن معاناة الأساتذة لا تقتصر على الرجال فقط، فالأستاذة (ح.ح) تعيش وجعاً مضاعفاً، إذ تقول بصوت يملؤه التعب: “أترك رضيعي كل أسبوع في رعاية والدتي، وأغادر قبل الفجر لأصل إلى الجامعة. أقضي أياماً بعيدة عنه، أتابع نموه من خلال صور الهاتف، وأحاول أن أخفي دموعي وأنا أشرح دروسي للطلبة.” تضيف بحسرة: “لم أعد أطلب امتيازاً، أريد فقط أن أعيش قريبة من أسرتي… أن أكون أماً حاضرة، لا زائرة في عطلة نهاية الأسبوع.”

معاناة مجهولة لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار

يؤكد الأستاذ (خ.م) أن معاناته وأقرانه تبقى غير مرئية أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وحتى أمام الوزير نفسه، الذي يبدو غافلاً عن هذا الواقع المؤلم. “كل هذا السفر ينهب طاقتي وتركيزي قبل أن أبدأ التدريس”، يقول بصوت مكتوم الألم، مضيفاً أن هذا الإرهاق ليس مجرد عبء شخصي، بل يترك بصماته على جودة التعليم والبحث العلمي. ورغم سعي الأساتذة ليكونوا أنموذجاً يحتذى به لطلابهم، فإن التعب الجسدي والروحي، إلى جانب البعد عن الأسرة، يقيدان قدرتهم على تقديم العطاء الكامل.

ويطالب الأساتذة بتبني حركة انتقالية وطنية عادلة تشبه ما يتمتع به زملاؤهم الأساتذة في المراكز الجهوية للتربية والتكوين، معتبرين أن ذلك قد يكون حلاً عملياً لمعاناتهم.

انتهاك لحقوق دستورية

تشير الأنظمة القانونية إلى أن الفصل 31 من الدستور المغربي يحمي الاستقرار الأسري والعمل اللائق، كما يلزم القانون رقم 01.00 المنظم للتعليم العالي بتوفير ظروف عمل ملائمة للأساتذة الباحثين.

ومع ذلك، يرى الأساتذة أن هذه الضمانات تبقى حبراً على ورق، حيث “لا شيء يتحرك نحو التغيير”، رغم تزايد عدد الأساتذة الذين يضطرون للتنقل يومياً أو أسبوعياً من مدنهم إلى مدن أخرى لتلبية متطلبات عملهم الجامعي.

تقول الأستاذة (ح.ح): “كل أسبوع أعيش بين الحقيبة والحنين، أدرّس الطلبة بكل حب، لكن قلبي مع طفلي الذي ينتظر حضني.”

أما الأستاذ (خ.م) فيضيف: “كل يوم أقطع الطريق الطويل وأبيت بعيداً عن أطفالي وزوجتي… أشعر أن حقوقي الأساسية تُداس، والكرامة المهنية تهتز تحت وطأة هذا الواقع القاسي.”

الاستقرار أساس التميز العلمي

يؤكد الأساتذة أن الاستقرار ليس رفاهية، بل شرط أساسي لتحقيق التميز العلمي والتعليم الجيد. ويرون أن الحل يكمن في اعتماد حركة انتقالية عادلة ومنصفة، مشددين على أنها “ليست طلباً عادياً، بل استثمار حقيقي في كفاءتنا وفي مستقبل الجامعة المغربية.”

هذا الوضع يطرح تساؤلات محرجة حول جدية الجهات المسؤولة في دعم البيئة الأكاديمية، خاصة وأن هؤلاء الأساتذة يضحون بصحتهم واستقرارهم العائلي من أجل خدمة التعليم العالي.

دعوة عاجلة للتدخل

تظل هذه القضية تتطلب حلولاً فورية، إذ يرى الأساتذة أن غياب سياسات داعمة يهدد بتدهور جودة التعليم العالي في المغرب. ويطالبون الوزارة بإحداث حركة انتقالية وطنية منصفة تراعي الوضع الإنساني والاجتماعي للأساتذة الباحثين، على غرار باقي القطاعات العمومية.

“نحن لا نطلب امتيازات”، يقول الأستاذ (خ.م) بنبرة هادئة، “نطلب فقط أن نعيش بكرامة، أن ندرّس ونحن مستقرون نفسياً وأسرياً.”

هل ستنصت الوزارة، وبالأخص الوزير، أخيراً إلى آهات هؤلاء الأكاديميين الذين يحملون مشاعل العلم رغم المسافات الطويلة، والتعب، والحنين؟

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button