ثقافيةقضايا وحوادثمقالات رأيوطنية
عُذرا ! لَسْتُنّ فضائيات…بل أنا المسخ بينكن!
آسية اعلوشن
جلستْ على الكرسي أمام المرآة، تستعدُّ لرسْم ملامحها من جديد.. نوع آخر من الرسم ..نوعٌ هجين..ليس “سريالياً” و لا “واقعيا”و لا “تجريديا”.. نوع عقيم أُسمِّيه :”التجرد” ..فيه الكثير من الهروب و القليل من الجرأة، و ما تبقى تُلخِّصه الرغبة في التخلي.. نوع من التراجيديا يجعلها تتجرد من كل شيء يُشبهها لدرجة أنها عندما تُنهي حرب الألوان تلك، لا تعود تتعرف على نفسها عندما تنعكس صورتها على المرآة. كأنها حفلة تنكرية المتخَفِّي فيها هي والمتسائل حول من يختفي وراء هذا القناع هي نفسها أيضا!

جلستْ كجثة هامدة، تستنجد بالزيف مجدها علّها تُداري الشحوب الذي استعمر وجهها طويلا.. علّها تُواري ذبولاً طرد حُمرةً كانت تكسو الوجنتين.. فجعلت ترسم بقلم أسود شديد القتامة حاجبين عريضين كشارعين مُمدَّدَين ينتهيان بمنحدر بسيط يقودانك إلى العين مباشرة، يحكيان عن جُمود لا تهزه ضحكة و لا دمعة. و لا دهشة و لا رعشة..خطّان مستقيما الشكل، عريضان ، فَحْمِيَا اللون، يحملان عنوانا واحدا: “أنا بخير”!
بمجرد أن أنهت تعبيد شوارها ،انْتابها شعور بالانتشاء.. شجّعها على أخذ قلم آخر لتخط المقلتين.. العيون هي مرآة البشر.. هكذا أخبرتها نفسها المتخاذلة! يكقي ان تُصَوِّب ناظريك إلى أعين أحدهم كي تعرف ملخص يومه.. العيون لا تكذب أبدأ! و لأنها صادقة دوما كان لزاما عليها أن تطمس الحقائق التي تصدح بها الحديقتين ! ان تكبت ألسنتها ! ان تخرسها لدقائق ريثما تنتهي الملحمة الفنية فتخدع هي الأولى قبل اي عين أخرى !
كدنا ننتهي، بقي القليل ! هكذا حدّثت نفسها وهي تتنفس الصعداء! أمسكت ريشة كثيفة مَرَّرتها على سائر الوجه و كأنها مِكْنسة تُزيل آخر ما تبقَّى من غبار الحقيقة التي تصيبها بالاختناق! وضعت الكثير و الكثير من المساحيق و كأنها ترمِّم جدرانا مُتصدِّعة، بهتت ألوانها فما عادت مبهجة و مفعمة بالحياة كما السابق..
ما هي إلا خمس دقائق حتى اختفت الهالات السوداء التي كانت هنا، كانت بارزة ،حاضرة بقوة تنم عن سمَر طال، و نوْم غاب ، وتعب استوطن الجفون فأَحَاطها بسواد استعاره من ليلة نجمية.. لتختفي معه كل الأطلال!
رمقتني بنظرة سريعة، سألني: كيف أبْدُو عزيزتي؟ صدقا!؟
لِوهْلَةٍ شعرتُ و كأنني مُطَوَّقَة من كل جانب، كفأر محاصَر في الزاوية يبحث عن منفد آمن.. كنت أنتقي من العبارات أَلْطفها كي لا أهدم آخر ما تبقى لها من ثقة في النفس.. و بعد سكون مطبق أجبتها:
-تُبدين مثلهن تماما..تبدين كتلك اللواتي يملأن الفضائيات ..
كان بودي إخبارها أنني أحبها كما هي.. وأنني افتقدتها بشكل غريب بمجرد ان أخفت ملامحها.. كان بودي ان أخبرها الحقيقة: صرت تشبهين المخلوقات الفضائية التي غزت كوكبنا! لكنني لم أجرؤ خصوصا بعد ان طبعَتْ قُبلة على خدِّي.. كانت تبحث عن مواساة ليس إلا !
كان بِودي إخبارها أنها تفوح منها رائحة المصانع… لم أجرؤ !
خرجنا سوية من الغرفة لأجد كل الوجوه تشبهها، لأدرك حينها أنني الوحيدة التي خسرت لعبة التنكر قبل أن يبدأ الحفل!
عُذرا ! لَسْتُنّ فضائيات…بل أنا المسخ بينكن!